حِراك مَلَكي ثمين

حِراك مَلَكي ثمين18/01/2013
أ.د. أحمد يعقوب المجدوبة

http://www.alarabalyawm.net/Public_Journalists/Journalist_Article.aspx?lang=1&ArticleID=23835&JournalistID=119

لأنّ المرحلة المقبلة مهمة جداً في إرساء قواعد الحياة الديمقراطية في المملكة على أسس سليمة، فإن أي جهود تبذل في تعزيز فهم الديمقراطية وآليات تطبيقها تساهم مساهمة فاعلة في ترسيخ الاستقرار السياسي في الأردن وفي تقدمه ونهضته.
ما يقوم به جلالة الملك، والذي يلعب دور المحفِّز والميسّر، من تواصل مباشر مع العديد من شرائح المجتمع ومؤسساته بهدف إثراء الحوار في الأمر الديمقراطي لأمر غاية في الأهمية. ويأخذ هذا التواصل بعدين أساسيين. الأول من خلال الأوراق النقاشية التي بدأ جلالته بتقديمها، والثاني من خلال اللقاءات المباشرة التي يعقدها في بيوت الأردنيين.
من المهم التأكيد بداية على أن جميع شرائح المجتمع الأردني، بأطيافه السياسية المختلفة، بما فيها قوى المعارضة والمقاطعة، تُجمع على أن الديمقراطية هي الحل. وإذا كانت الديمقراطية هي النهج الذي اخترنا، فمن المهم حتى تنجح الديمقراطية أن نفهمها أولاً ثم نفهم متطلبات تنفيذها ثانياً.
ولا أظن أن الكل يفهمها فهما دقيقاً ويفهم كامل المطلوب. منذ ما يقرب من ثلاثين عاماً وأنا أسال طلبتي في الجامعة عن تعريف الديمقراطية. والغالبية العظمى من الإجابات تأتي بأن الديمقراطية هي "حرية التعبير". ومع أن هذه الإجابة صحيحة، فإنها نصف صحيحة فقط، إذ أن الديمقراطية هي حرية التعبير داخل إطار القانون. فلا يوجد في أي دولة ديمقراطية في العالم، من اليابان إلى السويد إلى أمريكا، أية حرية تعبير خارج نطاق القانون. حرية التعبير المطلقة وهم رومانسي يعشش في عقول من لا يفهمون الديمقراطية، وبالتالي يُضرّ بهم وبها.
ثم هنالك موضوع التعددية والأغلبية. الديمقراطية تقوم على احترام التعددية. وكلمة "التعددية" ليست كلمة سهلة. فهي تعني قبول من نختلف معهم اختلافات جوهرية في النظرة والبرنامج والأيديولوجية والمعتقد. وإن فاز في الانتخابات من لا نقبل بفكرهم أو برامجهم فيجب أن نقبل بها وننصاع للأمر ولا ننسحب أو نقاطع أو نتمرد، وإن فعلنا الأخير نصبح خارجين عن القانون. الديمقراطية هي القبول برأي الأغلبية بغض النظر عن أية اعتبارات أخرى.
ثم هنالك موضوع أن الديمقراطية هي عملية process تنمو وتتطور مع مرور الزمن وتبعاً لفهم المجتمع لها واستيعابه لدقائق التفاصيل فيها. لا يوجد قالب دولي جاهز يُؤخذ على علاّته ويُطبّق بين عشية وضحاها، فالمجتمعات الديمقراطية أخذت زمنا كافياً وافياً حتى تُطوّر النموذج الديمقراطي الذي يناسبها. هل، في الظروف المسعورة التي تمرّ بها المنطقة حالياً، عندنا الصبر الكافي للعمل على تطوير النموذج الذي نريد وبأريحية وعلى نحو حضاري منظّم سلمي تُجمع عليه الأغلبية؟ لا بد من ذلك.
وهنالك قضايا وتفاصيل أخرى كثيرة تتعلق بالديمقراطية. النقطة المهمة هنا أن الأوراق النقاشية ولقاءات جلالة الملك مع الأردنيين تُشكل فرصة ثمينة للحوار حول العديد من القضايا المتّصلة بالحياة الديمقراطية بمفهومها الدقيق العميق. وأركّز هنا على كلمة "حوار" أولاً، وعلى أن ما يجري حالياً هو حوار حقيقي بين مواطنين مفعمين بالحماسة للتعبير عن وجهة نظرهم بصدق وعفوية وبين قيادة مخلصة في سعيها للاستماع للناس من كافة الشرائح والألوان والأطياف. والحوار، في تقديري، هو اللبنة الأساسية في أي صرح ديمقراطي حقيقي.
ومن هنا فمن اللافت للنظر أن الأوراق هي أوراق "نقاشية"، بمعنى أنها كتبت كي يناقشها الناس ويبدون أراءهم فيها، سلباً وإيجاباً. فجلالة الملك، كما أكدّ في العديد من المناسبات بما فيها اللقاء الحميم الصريح الذي جمعة بمجموعة من الاكاديميين يوم الأحد الماضي في منزل معالي الدكتور وليد المعاني، لا يريدها أن تُقرأ كمرسوم وتحفظ عن ظهر قلب، بل تفهم وتُحلّل وتُناقش ويُبدي الناس رأيهم فيها.
ومن اللافت أيضا أن جلالة الملك، في كافة اللقاءات التي جمعته بالعديد من المواطنين الأردنيين في بيوتهم والتي كان سقف حرية التعبير فيها دون حدود أو قيود، أتى بهدف الاستماع لآراء الناس والوقوف على ما يرونهم في قرارة أنفسهم.
حِراك جلالة الملك، على البعدين المذكورين أعلاه وغيرهما، وسعيه النشط للأخذ برأي مواطنيه هما حراك وسعي محمودان، وهما سابقة وفرصة ذهبية للناس لتدلي بآرائها.
من لديه شيء حول واقع الحياة الديمقراطية الأردنية ومستقبلها فليقله الآن. لدى الأردن الآن، شعباً وقيادة، الرغبة في حياة ديمقراطية كريمة. من عنده ما يسهم به في تمكين الأردن من الوصول إلى الهدف المنشود فلا يبخلنّ به. الصمت المُبهَم لا يفيد، ولا يفيد التهكّم أو السخرية أو التقوقع أو الانزواء.
من يحبّ الأردن يساهم في بنائه، بالكلمة أو الفعل.
a.majdoubeh@alarabalyawm.net

No comments:

Featured Post

PINK ROSE