البرنامج الوطني الموحد للإقامة الطبية ضرورة ملحة


حديث في إدامة النهضة الطبية وفي تأهيل الكوادر البشرية

الأستاذ الدكتور وليد المعاني

استثمر الأردن كثيرا في إنشاء كليات الطب في جامعاته، فمن عمان إلى اربد ومن الكرك إلى الزرقاء، تقوم أربع كليات للطب البشري غدا البعض منها على درجة كبيرة من الكفاءة العلمية ومن ارتفاع مستوى خريجيها حسب شهادات الجهات المعنية بالتقييم، وحسب التغذية الراجعة من المؤسسات الموظفة لهؤلاء الخريجين.

ويتهافت الطلبة على الالتحاق بهذه المؤسسات تهافت الفراش على الضوء، فقد شكلت لنا بابا كبيرا مفتوحا لتأهيل الكوادر الطبية، بعد أن كان الطلبة الأردنيون يلتحقون بكليات خارج الوطن بلغت أوجها في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي عندما كان لنا أبناء يدرسون الطب في 110 دول في مشارق الأرض ومغاربها.

وعلى الرغم من الترهل الذي اعترى بعض هذه الكليات لعدم إدراك المسؤولين في الجامعات للدور الوطني الذي تقوم به، ولانصراف الكثيرين من أعضاء هيئة التدريس عن إعطاء طلبتهم ما يجب أن يعطوه من الجهد، إلا أنها تبقى الجواهر الكبرى في التيجان الجامعية. فكلية الطب في الجامعة الأردنية لها دور كبير في وضع الجامعة في موقعها المتميز – على الرغم من ادعاء البعض بعكس ذلك-، وكليات الطب والهندسة هي من عرفت العالم بجامعة العلوم والتكنولوجيا العتيدة.

لا اريد أن أتحدث عن مستوى الخريجين وقدراتهم، ولا عن الأعداد المتكاثرة من الملتحقين بها، ولا عن نقص الكوادر الطبية وعدم توفر البنية التحتية. ولن أتحدث كذلك عن عدم التزام أعضاء هيئة بالقيام بواجباتهم تجاه طلبتهم، فهذا ليس مجاله ولنا فيه حديث لاحق، ولكنني سأخصص هذه الفسحة للحديث عن التدريب والتخصص بعد التخرج لأني أرى فيه كارثة قادمة يجب منع وقوعها، ووضع الحلول لتفاديها.

كنت قد كتبت في جانب من هذا الموضوع في مقال طويل تحت عنوان" قبل أن يفوت الأوان" ( صحيفة الغد 31/5/2006) وتحدثت فيه بالتفصيل في نقابة الأطباء (16/1/2007) وفي المستشفى الإسلامي (21/8/2007)، وكان آخر حديث لي فيه خلال جلسة الموازنة في مجلس الأعيان في 4/12/2008.

أن النهضة الطبية الشاملة التي يشهدها الأردن حاليا تشكل مصدرا من مصادر الدخل القومي أخذ في الزيادة المضطردة في السنوات الأخيرة وذلك بسبب المستوى المتميز للخدمات العلاجية المتاحة، بحيث قصده للعلاج مرضى عرب وغيرهم لقناعتهم بمستواها المتقدم.

بنيت هذه النهضة الطبية الشاملة على رؤى متقدمة لكل من ساهم في انشائها، فابتدأت بالاستثمار في البنى التحتية الحكومية ثم في القطاع الخاص. لقد كان إنشاء مدينة الحسين الطبية ومن بعدها كلية الطب في الجامعة الأردنية من أهم العوامل التي دفعت بالطب في الأردن للأمام. لم تدخر الخدمات الطبية أي جهد أو مال في ابتعاث الكوادر الطبية للخارج، ولم تتوانى الجامعة الأردنية عن استقطاب كفاءات متميزة للتدريس في كليتها الناشئة وإدامة مستشفاها. فقصد مدينة الحسين الطبية ألقاصي والداني من أردنيين وغيرهم للعلاج في مراكزها، وتبوأت مركزا متقدما لإنجازاتها. وقصد كلية الطب في الأردنية شباب من المتميزين قام على تعليمهم نفر من المخلصين، وساعد على تميزهم حداثة طرق التعليم وعدالة التقييم ووضوح الرؤية. لم يجد خريجو هذه الكلية صعوبة في الالتحاق بالمؤسسات التعليمية الدولية للتخصص، وقد عادوا ليعملوا فيها واتجه البعض منهم للقطاع الخاص.

لقد أدرك الكثيرون من الأطباء والمستثمرين أن بالإمكان البدء في تطوير قطاع طبي خاص في الأردن، واستثمروا فيه مالا كثيرا، وقد ساعد في إدامة هذا القطاع وتطويره الأعداد الكبيرة من الأطباء والقوى البشرية الطبية المؤهلة، التي عادت بعد التخصص وعلى حسابهم الخاص وتلك التي تقاعدت من الخدمات الطبية الملكية أو التي تركت من الجامعة. ومن ثم تعاظمت أعداد العائدين من خريجي كليات الطب الأردنية ( الأردنية ومن بعدها التكنولوجيا) اللذين ذهبوا للتخصص في الخارج، بحيث أصبح الوضع كما هو عليه الآن من تميز وقدرة يحسدنا الآخرون عليها.

أرجو إلا يتحسس من هذا الحديث الأطباء الممتازون الآخرون ممن لم يعملوا في الخدمات الطبية أو الجامعات الأردنية أو لم يتخرجوا منها، فجهدهم مقدر ومعروف، وذلك لأن الحديث سيكون عن المستقبل وليس الماضي، وسيكون تركيز حديثي على كيفية إدامة هذه النهضة وتطويرها فيما يتعلق بالقوى البشرية المؤهلة.

قصد الأردنيون في المنتصف الأول من القرن الماضي دولا عربية مثل سوريا والعراق ومصر ودولا أجنبية مثل تركيا لهذا الغرض. ولكن الطلب المتزايد على المقاعد الجامعية المخصصة لنا في هذه الدول دفع بالطلبة للبحث عن جامعات أخرى في دول تباينت بين الشرق كالفيليبين والغرب ككوبا ونيكاراغوا. لقد ساعد انفتاح كثير من الدول الأوروبية ولأسباب متعددة، على إتاحة فرص ضخمة للتعليم الطبي أمام الأردنيين وخاصة في دول مثل أسبانيا والاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية.

لم تكن الرغبة في التخصص العالي بعد الحصول على الشهادة الجامعية الأولى ببعيدة عن التوجه نفسه، فتخصص الكثيرون في الدول التي حصلوا على شهادتهم الجامعية منها، في حين قصد الآخرون دولتين بالتحديد لهذا الغرض: المملكة المتحدة للراغبين في التخصصات الجراحية والباطنية في أول الأمر، ثم في نهايات القرن الماضي إلي الولايات المتحدة للراغبين في التخصصات الباطنية وبقي الراغبون في التخصصات الجراحية في المملكة المتحدة ولكن إلى حين سنأتي على ذكره.

 لقد ساعد تطبيق فحص الامتياز( الامتحان الإجمالي) على دفع الكثيرين ممن خشوا عدم اجتيازه على البقاء والتخصص دون العودة بعد البكالوريوس وهو الأمر الذي أوقفه تماما إنشاء المجلس الطبي الأردني وإلزام الجميع بضرورة اجتياز امتحاناته. وقد تعرض المجلس لعناء شديد نتيجة تطبيق هذه السياسة إلى حد أن امتحان العائدين أوقف لعدد من السنين إلى أن أدرك المسؤولون مدى خطأ هذا الإيقاف فعاد الأمر لنصابه، ويحاول الكثيرون الآن التشويش عليه بالاستجابة لضغوط من جهات مختلفة للعودة بنا للوراء.

عندما كبرت كلية الطب في الجامعة الأردنية وبعد ما يقرب من 10 سنوات على إنشائها، ابتدىء ببرنامج الدراسات العليا في الطب عام 1980 في التخصصات السريرية الأربعة الأساسية ثم التخصصات الأخرى. وكانت الشهادة الممنوحة عندئذ هي الماجستير ومن ثم عدلت لشهادة الاختصاص العالي في الطب عام 1992.

لحقت الخدمات الطبية الملكية في مجال برامج الإقامة وأصبحت هذه البرامج الرافد الرئيس لتوفير الكوادر الطبية لها، ومن ثم تجاوزته لإبتعاث خريجي هذه البرامج لزمالات في مختلف التخصصات الطبية،
 وباشرت جامعة العلوم والتكنولوجيا ببرامج إقامة مشابهة لما حدث في الأردنية.

حاولت الكثير من المستشفيات الخاصة إضفاء الصبغة التعليمية على نفسها عن طريق الارتباط مع بعض الجامعات ، وسعى البعض الأخر للحصول على اعتراف بأهليته للتدريب من المجلس العربي للتخصصات الطبية أو من المجلس الطبي الأردني. إن عمليات الاعتراف بالمؤسسات كمراكز للتدريب تخضع لعوامل تبتعد في كثير من الأحيان عن الموضوعية.

يوجد على مقاعد دراسة الطب في هذا العام 3500 طالب يشكلون 1.7% من مجموع طلبة البكالوريوس في الجامعات الأردنية ( 200000) وسيتخرجوا بمعدل 400 إلى 500 طبيب سنويا.

تقليديا غادر ما يقرب من 40-50% من خريجين الجامعات الأردنية للتخصص في الغرب، ولم يجدوا مشكلة في التحاقهم ولا في دراستهم، وبعضهم بقي هناك وأبدع وتبوأ المراكز المتقدمة، والبعض عاد ليسهم في نهضة الأردن الطبية، فيما كان الطلب المحلي والإقليمي عليهم شديدا وندر أن سمعت بواحد منهم يجد مشكلة في الدراسة أو الممارسة.

اتجه الأردنيون تاريخيا وتقليديا لبريطانيا للتخصص في الجراحات بمختلف أنواعها واتجهوا كذلك للولايات المتحدة للتخصص في الأمراض الباطنية وفروعها منذ ما يقرب من العشرين سنة. فجولة بسيطة لقراءة يافطات العيادات الطبية تؤكد بما لا يدع مجالا للشك على هذا الأمر: الجراحة في بريطانيا والباطنية في الولايات المتحدة، وهناك متخصصون من دول أخرى،  ولكن النمط واضح.

تطلب مؤسسات التعليم الطبي المتقدم في بريطانيا من خريجي الدول الأخرى أن يجتازوا امتحانا باللغة الإنجليزية، وامتحانا أخر لقياس مدى الكفاءة الطبية يسمى امتحان PLAB   يعقد هذا الامتحان الأخير في دول عدة في الشرق الأوسط وغيره وتعقد بعض أجزائه في بريطانيا نفسها، وهو أمر مكلف. وتطلب مؤسسات التعليم الطبي المتقدم في الولايات المتحدة كذلك اجتياز امتحان طبي من ثلاثة أجزاء يدعي USMLE يعقد ثالثها دوما في الولايات المتحدة. ولهذه الامتحانات كلفة كبيرة .

يعتمد التعليم الطبي المتقدم للتخصص في الولايات المتحدة الأمريكية علي ما يسمى ببرامج الإقامة المبرمجة المتدرجة، والتي تنفذ عن طريق إلحاق الطبيب الراغب بالاختصاص (بعد أن يجتاز الامتحانات المطلوبة للقبول وبعد أن يتم اختياره من خلال برنامج القبول الوطني للولايات المتحدة) بمستشفي يمكث فيه طوال مدة تخصصه إلى أن يتخرج وعليه اجتياز امتحانات سنوية يفصل من البرنامج في حالة رسوبه في احدها في أي سنة. بعد أن ينهى الطبيب مدة الإقامة يتقدم لامتحان البورد الأمريكي فإن اجتازه أصبح اختصاصيا وإن لم يجتزه بقي طبيبا مؤهلا.

كان التعليم الطبي المتقدم في بريطانيا تقليديا يعتمد على مبدأ " التتلمذ" أو مبدأ "صبي المعلم".  إذ بعد أن يجتاز امتحان الكفاءة يقوم الطبيب الراغب في التخصص " بتدبير" مكان للتدرب لمدة شهر أو ما شابه ذلك.. وعادة يتم هذا الترتيب عن طريق أساتذة الجامعات أو المعارف. المهم أنه وخلال هذا الشهر المسمى تقليديا "بشهر الإلحاق" ((attachment على الطبيب البحث عن مكان للتدرب أو ما يسمى في بريطانيا وظيفة ( job ). يقوم الأطباء بالبحث عن الوظائف في المجلات الطبية البريطانية، ويتم التقدم لها، ويرفض من يرفض ويدعى للمقابلة من يدعى ويأخذ الوظيفة احد المتقدمين. عادة ما تكون الوظائف لمدة ستة شهور واقلها يكون لمدة سنة. على الطبيب أن يعيد الكرة من البحث والتقدم والمقابلة في نهاية هذه المدة وقد يجد الوظيفة المناسبة أو قد لا يجد.  ولكنه في اغلب الأوقات يبحث عن وظيفة في مستوى أعلى من تلك التي كان فيها، ويبقى كذلك إلى أن يحقق الشرط الزمني لعدد السنوات اللازمة للتقدم لامتحان زمالة أو عضوية الجمعيات المهنية الطبية البريطانية. خلال مدة التدرب لا تجرى امتحانات للانتقال من سنة لسنة أو من مستوى لمستوى أعلى، أي أن التدريب ليس مبرمجا ولا متدرجا. فعندما يعتقد الطبيب بينه وبين نفسه انه قد وصل للمستوى العلمي المطلوب من التحصيل يتقدم لامتحان الزمالة أو العضوية البريطانية وقد ينجح فيصبح اختصاصيا وقد لا ينجح فيعيد الامتحان إلى أن ينجح فيه.

أدرك القائمون على التعليم الطبي المتقدم في بريطانيا قبل عدد من السنوات أن التدريب على الطريقة الأمريكية يضمن أن لا يصل للامتحان إلا من كان مؤهلا، بعكس النظام البريطاني الذي لا يضمن ذلك، فقرروا أن يغيروا الطريقة لتصبح كالنظام الأمريكي. ولتحقيق ذلك استنبطوا ما يعرف حاليا بالوظائف المرقمة ((numberd jobs،  فإن أراد الطبيب التدرب للحصول على الشهادة عليه الالتحاق بوظيفة ذات رقم. وفي نفس الوقت بقيت الوظائف العادية الغير مرقمة ( الهدف منها إدامة الخدمات). صاحب ذلك تغيير في متطلبات الشهادة فبعد أن كانت من جزأين أصبحت أربعة (في الجراحة)، يمكن أجراء الثلاثة الأولى منها في أي مكان في العالم ( تجرى هذه الأجزاء في الأردنية والتكنولوجيا)، ولكن الجزء الرابع لا يجرى الإ في بريطانيا ومن خلال وظيفة ذات رقم، وهنا بدأت أول المشاكل فالحصول على هذه الوظيفة أمر في غاية الصعوبة: بمعنى أن الطبيب قد يمكث في بريطانيا ثلاث سنوات متنقلا من وظيفة لأخرى ثم يصل لوقت لا يتمكن فيه من الحصول على الوظيفة المرقمة، فماذا يفعل؟ لا يمكنه أن يتقدم للجلوس للامتحان وعلية العودة لوطنه دون تحقيق أي شيء. كان بعض الأطباء القلائل محظوظين فحصلوا على وظيفة ذات رقم وبقي الآخرون يحاولون ولكنهم لم يكونوا يعلمون بأن الأعظم قادم.

لقد انعكست الأوضاع العالمية على فرص التدرب المتاحة للعرب في الدول المتقدمة......فبعد توسعة الإتحاد الأوروبي أعطي المواطنون من الدول الجديدة المنضمة للإتحاد الأولوية في هذه الوظائف، فالأولوية للبريطانيين ومن ثم لأطباء دول الإتحاد القديمة والجديدة ومن بعد ذلك لمواطني الكومنولث، وعليه أصبحت فرص أبنائنا شبه مستحيلة. قالت السلطات البريطانية أنه بإمكان الأطباء من الجنسيات غير أصحاب الأولوية الالتحاق إن كانوا يحملون "الفيزا للمؤهلين تأهيلا عاليا"، عليك أن تسجل 75 نقطة من 100 نقطة عند التقدم لها، لا اعتقد أن أحدا من أطبائنا الراغبين في التخصص سيتمكن من اجتياز حاجز الستين نقطة،  فالنقاط تعتمد على أمور لا يمكنهم تحقيقها.

أصبح الوصول لمراكز التدرب في الولايات المتحدة الأمريكية صعبا للغاية بعد أحداث أيلول 2001 و التدرب في بريطانيا شبه مغلق، والفرص الجديدة كمثل استراليا توقفت بعد أن أصدرت الحكومة فيها قرارا يقضي بأن التدرب في برامج الإقامة هو للأستراليين فقط. ولابد أن يمتد هذا التوجه شمالا و جنوبا في تلك الدول التي يوجد طلب كبير على التعلم فيها. هناك فرص في دول مثل كندا وألمانيا ولكن على الطبيب أن يدفع رسوما مرتفعة تضمنها مؤسسات تبتعثه للدراسة، (32000 دولار كندي سنويا) واشتراط للتحدث بلغة جديدة (المانيا).

هناك فرص للتدرب في الولايات المتحدة في التخصصات الباطنية وفروعها نظرا لعزوف الأمريكيين عنها (يترك 25% من اختصاصي الباطنية والطب العام وظائفهم الآن بسبب مطالب شركات التأمين، والتي يقول الأطباء أنهم يمضون 75% من وقتهم في تعبئة النماذج لها)، غير أن توجه أعداد هائلة من أطباء شبه القارة الهندية و جنوب شرق أسيا للولايات المتحدة سيقلل من الفرص المتاحة كثيرا. ناهيك عن أن التدرب المتاح في التخصصات الفرعية أصبح مشبعا في الأردن، فما الحاجة لخمسين متخصص في الروماتيزم أو في أمراض الكلى ولا يوجد متخصص في أمراض القلب لدى الأطفال أو أمراض أعصاب الأطفال أو الأمراض المعدية؟ لا نريد التخصص في المتاح بل يجب التخصص فيما نرغب.

تبلغ نسبة المتقدمين للوظيفة الواحدة في المملكة المتحدة (80:1)، وتبلغ في الولايات المتحدة (700:1)، لقد أدرك مواطنو دول الكومنولث البريطاني من شبه القارة الهندية صعوبة موقفهم عند التقدم للتخصص في بريطانيا،على الرغم من أن وضعهم أحسن من وضع أبنائنا، (لو ترك العاملون من شبه القارة الهندية النظام الصحي البريطاني اليوم فإنه وعلى الأغلب سينهار غدا)، ولذلك اتجهوا للولايات المتحدة الأمريكية ليزيدوا من شح الفرص هناك. ففي الولايات المتحدة وعلى الرغم من كثرة الأعداد فالميزة للأفضل ولا يوجد تمييز يعتمد على الجنسية أو مكان التخرج.

أن ما حققه الأردن في مجال الخدمات الطبية والعلاجية بني على أكتاف أطباء أكفاء حصلوا على أحسن الشهادات في مختلف التخصصات. هل سيأتي وقت لن نستطيع فيه إدامة هذه النهضة الطبية لعدم توفر الكوادر المؤهلة تأهيلا عاليا؟ هل لن نجد الجيل المؤهل من الأطباء للحلول محل الأطباء الحاليين بعد أن يكونوا قد تقاعدوا؟ هل سنلجأ لإدامة هذه الصناعة على أكتاف مستويات اقل مما نرغب؟ وهل نضحي بما حققناه أم أن علينا التفكير فيما يجب علينا عمله لتلافي ذلك قبل أن تقع الكارثة؟

تعاني بعض القطاعات الصحية الأردنية من نقص حاد في الكوادر الطبية المؤهلة تأهيلا عاليا، وهذا أوضح ما يكون في مستشفيات وزارة الصحة نظرا لاستنكاف الكثيرين نظرا لتدني الرواتب. إن الكثيرين من الملتحقين ببرامج الإقامة يرفضون التقدم لامتحان المجلس الطبي الأردني لعلمهم بعدم قدرتهم على اجتيازها، ويفضل هذا البعض البقاء موظفا تحت مسمى المقيم المؤهل. أن محاولة حل المشكلة بزيادة عدد الملتحقين ببرامج الإقامة عن طريق تخفيض معدل القبول فيها قد يؤدي لإلحاق أعداد اكبر ولكن من أي مستوى؟  هل الهدف تعبئة الشواغر أم رفع مستوى الخدمة الطبية؟ ولابد أن تعاني كليات الطب الجديدة - والتي ستقوم -  من نقص في الأساتذة ستحاول حله مؤقتا على حساب الكليات القائمة، فمن أين ستتدبر هذه الكوادر؟

توجد في الأردن برامج إقامة لتخريج المختصين في الحقول الطبية التخصصية المختلفة بعضها عمره 20 سنة وبعضها غض. هناك برامج في المستشفيات الجامعية والحكومية والخاصة والعسكرية. بعضها مبرمج وبعضها غير مبرمج. بعضها أكاديمي وبعضها مهني. بعض الأطباء يتدرب في مستشفيات مؤهلة وبعضهم في مستشفيات ابعد ما تكون عن القدرة. بعضهم يشرف عليه اختصاصيون أكفاء والبعض الأخر يمكن القول بأن الفرق العلمي بين المعلم والمتعلم قليل. بعض البرامج أجيز من قبل المجلس الطبي بعد التأكد من أهليتها والتزامها بالمعايير،  وبعضها أجيز أو رفض لاعتبارات أخرى.

من هنا تأتي دعوتي. أن كنا قد أغلقت علينا الأبواب فلنفتح لإنفسنا بابا، وإن كانت قد سدت علينا المنافذ فلنحفر لنفسنا منفذا. لابد أن نتدبر الحل الآن، ولقد أثبتنا في هذا البلد قدرتنا على التخطيط والتدريب وعلى إيجاد الحلول للمشاكل قبل وقوعها. أن ماهو موضع حديثنا اليوم أمر بالغ الأهمية وقد استثمرنا فيه استثمارا كبيرا وعلينا عدم التفريط به.

لابد من توحيد كل هذه الجهود في برنامج وطني واحد للتدريب الطبي يتشارك الجميع فيه ويعملون على نجاحه،  برنامج لا يلتحق به إلا الأكفاء وتساهم كل القطاعات الطبية في إنجاحه دون أن يكون ملكا لأحد، يتدرب من خلاله المتدربون في كل المؤسسات الطبية الأردنية، تلك المؤسسات التي يجب أن تخضع لمعايير جدية للاعتماد دون مراعاة أو هوادة، ويشارك بالتعليم والتدريب فيه الأكفاء من المختصين دون حسد أو مجاملة. عندئذ نستطيع أن نعمل على تأهيل وإنتاج الإختصاصي ذي المستوى المتقدم والذي سيشهد بتميزه. وسيعمل المجلس الطبي الأردني على تقييم هؤلاء جميعا، ولا نعود لنفكر إلى أين نذهب للاختصاص ولا نضع أبناءنا في ظروف صعبة وحرجة ومحبطة.

يبقى أن نقول أن التعرض للخبرة الأجنبية أمر مطلوب وضروري وهو موضوع سهل التدبير من خلال الزمالات (fellowships)والتي لا يزال بابها مفتوحا أو على الأقل مواربا، ويمكن أن تتم عن طريق الاتصالات الشخصية والمؤسسية.

أنني أدعو أصحاب القرار القائمين على نهضة هذا الوطن لتشكيل لجنة وطنية لبحث الموضوع، لجنة موضوعية ممثلة للقطاعات ذات العلاقة، تضع الأسس والمبادئ لإنشاء هيئة أو مجلس وطني لبرامج الإقامة يعنى بهذا الأمر ويعمل على توفير الظروف العملية والتطبيقية لإنجاحه.   وآمل أن يتمكن الغيورون من اتخاذ فعل لوضع الخطط لدرء الأخطار بدل ردود الفعل العشوائية والآنية. 

كلمة العين الدكتور وليد المعاني في جلسة الموازنة

كلمة العين الدكتور وليد المعاني في جلسة الموازنة، 4/12/2008

دولة الرئيس،
حضرات الأعيان،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يشكل التعليم العالي وتشكل الخدمات الصحية العلاجية، رافدين من أهم روافد الاقتصاد الأردني، فبالإضافة لما يحققانه من تأهيل للكوادر البشرية الأردنية وحفاظ على صحة المواطنين،  فهما يعتبران مصدرين مباشرين للدخل القومي، وقد اخذت نسبتهما من الدخل القومي الإجمالي بالإرتفاع تدريجيا على مدى السنوات الماضية.

فبنظرة واحدة على عدد الطلبة العرب والأجانب الملتحقين بمؤسسات التعليم العالي الأردنية واللذين بلغوا ما يقارب ال 25000  في عام 2007 ، فإننا يمكن أن نحسب الدخل المباشر وغير المباشر المنتج من هذه الخدمة.
وبنظرة أخرى على عدد المرضى اللذين وفدوا للمملكة للعلاج واللذين تجاوزوا ال 100000 في العام 2007، يمكن تخيل مقدار المبالغ التي تم انفاقها من قبلهم وقبل دولهم في هذا المجال.

يقترب الدخل من الباب الأول ( التعليم العالي ) من 300 مليون دينار أردني، في حين يقدر من الباب الثاني ( الخدمات الصحية العلاجية ) ب 500-700 مليون دينار.

وعليه، و في اقتصاد تشكل الخدمات جزءا كبيرا منه، فإنه من المنطقي والمطلوب المحافظة على هذين المصدرين وتنميتهما بصورة فاعلة.

أن تقديم الخدمات الطبية العلاجية بصوره نضمن فيها الجودة والنوعية للحفاظ على الاستثمار الطبي في المملكة من عبث العابثين، ولإستقطاب مرضى من دول اشترطت وجود رقابة على هذه الخدمات لترسل مرضاها للأردن، يقتضي منا الإسراع في إنجاز قانون المسؤولية الطبية، وعدم الاستجابة للمدافعين عن المصالح الضيقة اللذين قد يوافقوا على قانون لا يضر ولا ينفع، لا لب له ولا أسنان. لقد تجاوزت الدول المتقدمة موضوع المسؤؤلية الطبية لما يسمى "بالصدق والنزاهة في العمل"،  والذي يعني أن علي الشخص مقدم الخدمة الطبية أن يثبت – من خلال تقرير ذاتي يقدمه كل خمس سنوات - أنه نزيه وصادق في تعامله مع المرضى خلال مسيرته، وهو أمر يشبة إشهار الذمة الأخلاقية. لا زلنا نبعد كثيرا عن مثل هذا المفهوم، ولكن علينا أن نقوم بالخطوة الأولى بسرعة الا وهي اقرار قانون فاعل للمسؤولية الطبية لحماية متلقي هذه الخدمة.

إن فرص التدريب المتاحة أمام الأطباء الأردنيين في الخارج قد اخذت بالنضوب، فالتخصص في المملكة المتحدة أصبح من رابع المستحيلات، والتخصص في الجراحة في الولايات المتحدة لم يعد يسمع به. وإذا لم نبادر لوضع الحلول لتوفير الأطباء المتخصصين لإدامة النهضة الطبية في الأردن فإننا سنعاني من مشاكل جمة.

لقد دعوت مرارا لتوحيد جميع برامج الإقامة في المؤسسات الصحية، في برنامج وطني واحد يدار من هيئة مستقلة لاتتبع لأي جهة معينة ، برنامج يكون قادرا على انتاج المتخصصين في كافة المجالات الطبية للعمل على توفير الكوادر الطبية المؤهلة للوطن، واعتقد أن الوقت قد حان للقيام بذلك.

 إن التعليم العالي بحاجة لوقفة متأنية فاحصة، لقد تم تشخيص أمراض التعليم العالي منذ سنوات، وهي بحاجة لقرارات تنفذ التوصيات التي تم اتخاذها، بعيدا عن المصالح الشخصية والفئوية. قد تكون القرارات صعبة ، ولكن منجزات الوطن بحاجة للمحافظة عليها. أود أن أؤكد هنا أن رواتب أعضاء هيئة التدريس، ومكافآتهم ومدخراتهم، يجب أن ينظر لها بمنظور من يريد الإستثمار في التعليم، وعلية يجب المحافظة عليها وعدم تعريضها للتآكل بفرض ضرائب جديدة عليها أو إلغاء إعفاءات سابقه حظيت بها.

إن ال 90000 طالب اللذين سيقبلون في الجامعات في العام القادم يحتاجون إلى 2000 عضو هيئة تدريس جديد وذلك حسب ما حدده معالي وزير التعليم العالي خلال مناقشات اللجنة المالية لمجلسكم الموقر. وكذلك فإن الجامعة الأردنية وحسب تصريح مسؤولين فيها يوم أمس ، بحاجة ل 2000 عضو هيئة تدريس لغاية عام 2011 وذلك لتحقيق شروط الإعتماد فقط. من أين سنتدبرهذه الآلاف من الأساتذه، وكيف سنجتذبهم للعمل في مؤسساتنا، إن كنا نقوم بممارسات تنفر الموجودين حاليا؟.

في أمر مربوط بين الصحة والتعليم، فإن استمرار المسلسل السنوي في الصراع بين المستشفيات في القطاعين العام والخاص( ومنها المستشفيات الجامعية)، ووزارة الصحة والموردين للآدوية والمستهلكات الطبية، لايؤدي فقط الى زعزعة ثقة الناس بمؤسساتها، وانما يثير تساؤلات عن قدرة هذه المؤسسات على إدارة أمورها. فإن كانت الوزارة تشتري خدمات من جهات خارجها، لتوفير خدمات أفضل لمشتركي التأمين الصحي المدني، فعليها أن تشتري بقدر ما لديها من مال، وأن تسدد ماعليها ضمن فترات متفق عليها. وقد يكون من المناسب أن تكون هناك جهة محايدة تعين باتفاق بين الأطراف تقوم بإدارة هذه الإتفاقيات، حتى تتحقق العدالة والمصلحة. وفي هذا المجال قد يكون من المناسب كذلك إحياء فكرة مؤسسة التأمين الصحي كمؤسسة مستقلة عن وزارة الصحة، على نمط مؤسسة الغذاء والدواء، قادرة على التعامل مع جميع مقدمي الخدمات الصحية بمن فيهم الوزارة نفسها بصورة شاملة متكاملة.

اشكركم والسلام عليكم
الجامعات الأردنية: حالة احتضار أم مرض صعب؟
حديث  في الإستكانة والصراع وفي الأمل والإحباط واليأس


الأستاذ الدكتور وليد المعاني

جاء في لسان العرب تحت فعل حضر، أنه ورد في الحديث الشريف" أن هذه الحشوش محتضرة" أي يحضرها الجن والشياطين، وقوله تعالى "فأعوذ بك ربي أن يحضرون" أي أن تصيبني الشياطين بسؤ.  وحضر المريض واحتضر إذا نزل به الموت، واحتضرت الفرس أي ركضت، والمحاضرة، المجالدة وهو أن يغالبك على حقك فيغلبك عليه ويذهب به.

Featured Post

PINK ROSE