الجامعات ... ورماد الأسئلة الحيرى

محمد القضاة طلبة نيوز-
 تقف الجامعات اليوم أمام كمّ كبير من الأسئلة التي يطرحها أبناء الوطن، وهي في وِقفتها تلك تعجز عن الإجابة عن أبسطها، فما حالها معَ أعقدها وأكثرها ضررًا. يُصاب المرء بالحيرة وتنتابه الدهشة حينما ينظر عن كثب إلى واقع حال مصانع الرجال، التي يُنتظر منها الكثير الكثير. وعودًا إلى ذي بدء، فإننا نرى كمًّا كبيرًا من الأسئلة الحائرة، يصوغها الآخر ثمّ يضخّها للمجتمع والناس بأساليب شتّى، فمن يا ترى وراء هذه الأسئلة؟ ومن المسؤول عن تراجعها؟ أهي المؤسسة الجامعيّة نفسها ممثّلة في إداراتها؟ أم الدولة بعدم اكتراثها بظروف الجامعات الماليّة، التي تصبّ في عدم قدرة رئيس الجامعة نفسه على أداء دوره حين يبدأ من أول الشهر في البحث عن رواتب العاملين في جامعته؟ هذا مشهد مؤذٍ يتكرّر شهريًّا، وينعكس من ثَمّ على مشروعات الجامعة العلميّة. لكن، في المقابل يطرح أخرون أسئلة تتعلّق بعدم اكتراث الإدارات الجامعية بكلّ ما يدور حولها من أسئلة، سواء أطرحها الأساتذة أم العاملون، فضلاً عن القرارات الخاطئة التي لم تجد من يحاسب أصحابها حين كانوا يرفعون أصواتهم عاليًا ويدبّجون المقابلات ويحيكون الكلمات المريحة عن جامعاتهم حتى "وقع الفأس في الرأس"؛ جامعات مفلسة، وإدارات بالكاد تجد الحدّ الأدنى من عنصر المناورة؟! ومعَ ذلك تبقى الأسئلة حيرى أمام كمّ النفاق الذي يمارسه بعضهم في سبيل المحافظة على كرسيّه أو الوصول إلى مُراده. كم تحزن حين تجد أستاذًا منافقًا، وحين تسمع عميدًا أكثرَ نفاقًا، وحين تجد من يَرْبت على أكتافهم، وتشعر بالاشمئزاز حين تتحوّل الجامعات إلى طوائفَ ونِحل، وحين تتأمّل الوجوه فتراها دخانيّة في مرايا الليل. تتساءل: هل تقرأ تلك العقول؟ أم أنها تسير على طريقة المسؤول الأبكم الذي انتهت ثقافته بالكتاب المدرسيّ؟! ما أكثر الاسئلة! أسئلة تطرح، وحروف تهدر، واستفهامات بلا مجيب، وهل تنتهي الأسئلة؟ أم تجدها تطوف بين رجل يغسل همومه في الظلام، وامرأة تقطف أحزانها صباح مساء؟ بين أشجار تبكي خضرتها وصفاء أيامها وألوانها، وأغصان تئنّ كآبة من كثرة رمادها؟ آهٍ يا جامعاتنا الأردنيّة، كيف كنت مناراتٍ حين كنّا فيك طلبة، وكيف أصبحت اليوم نهبًا للأسئلة؟ آهٍ وألف آهٍ حين تنقلب الصور، وتتحطّم القيم، وتسافر الروح الجامعيّة إلى متاهات بعيدة وتغوص في بحر من الأسئلة؟ وبينما نحن نقبع في حيرتنا تلك، ينتابنا ما ينتابنا من الذهول والدهشة، يطلّ علينا رماد الأسئلة من أساتذة ومثقّفين يعيشون صمتهم لحظة بلحظة، يؤكّدون غيابهم في وطن يحبّهم، وفي جامعات تتنفس محاضراتهم، غيرَ أنهم يرفضون أن تتحوّل نداءاتهم وحروفهم وأصواتهم إلى صورٍ وهياكلَ لا تعرف من الجامعة غير هيكل المحاضرة، ومن الوطن سوى اسمه وشكله وموقعه، ورمادهم يولد من ليلهم الطويل، وذاكرتهم لا تعرف المستحيل، إنها الاسئلة الحيرى بين الروح والعروق تبكي وتذرف ترانيمها الممزّقة في أجواء من العجز والوجع والأحلام الضبابيّة، توقظنا أسئلة هؤلاء وحواراتهم، وتنبّهنا رائحة أقلامهم على بياض طويل يعصف بالوجود كي يعود رمادًا لا يعرف أن الوطن لا يُختصر في كرسي أو كتاب أو مجلّة أو مقالة، أو أنّ الجامعةَ محاضرةٌ وطالبٌ عابثٌ وأستاذٌ مرتبكٌ، وإدارات لا تدير حوارات معَ محيطها، تربكنا الظواهر والخطط والمصالح والمنافع والمحاضرات، ويربكنا معها متسلّق لا تعرف من حروفه سوى ذاته ونفسه. أيتها الحروف المكسورة، لماذا تحملين آنين الليل؟ لماذا تصرخين؟ ألأنّنا تحوّلنا كلّنا إلى وجوه دخانيّة في مرايا الليل؟ أم لأننا لا نعرف من أشكالنا سوى أسمائنا؟ نحن خيرُ مَنْ يعرف جامعاتنا، وخير مَنْ مشى في طرقاتها، وخير مَنْ وعى حقيقتها، وخيرُ من يعرف الوطن حقّ المعرفة، نسكنه ويسكننا، ونستنشي عطرهُ ودحنونه، ونفهم ثقافته وأسئلته، ونجوع ونحفى لأجله، يعيش فينا ونعيش فيه، ويصرخ فينا أن نجدّ ونخلص في العمل، من غير أن ننتظر جائزة أو ننظر خلفنا، ننطلق إلى المستقبل لا نعرف رمادًا يخلّف رمادًا. وكم تربكنا أطياف المتهافتين وكلماتهم المبهمة وأشرعتهم الرمادية، وفي زمن الرماد يقلقنا أن يدفع الناجح ثمن نجاحه، ويفرّ إلى الصّمت إلى المجهول؛ عقباته وهواجسه لا تعرف المألوف، يتغيّر فيه المستحيل أشباحا تستوطن في مُستنقع الروح الغريبة، إنه الوهم الممزوج بالخدر والشقاء والوشاية والضّنك والجراح والصمت، إنه درب بلا طريق، لكن أيتها الطريق قفي وارسمي الوجوه الكالحة الزائفة، ولا تظنّي أن طيبة القلب سذاجة وضعف واستكانة. وبعدُ، فإنّ جامعاتنا بحاجة إلى كلّ قلم مخلص كي نعيد إليها وهجها وألقها، بعيدًا عن لغة المنافقين الذين ضاقت الكلمات بهم وحارت الأسئلة معهم، فأين الأساتذة الذين لا يقبلون أنصاف الحقيقة؟ وأين الرجال الذين لا تأخذهم بالحقّ لومة لائم؟ أين هؤلاء وأولئك؟ أين هم من جامعاتهم؟ ألهذا الحدّ هانت عليكم جامعاتكم؟ أم أنكم تعبتم وصمتت أسئلتكم حينما وجدتم أنّ مراكز القوى لا تحبّ موضوعيّتكم وعلمكم؟ آهٍ ما أقسى السؤال حين يأتي من أناس لا يعرفون أنّ بناء الرجال لا يتمّ في الخُطب العصماء، حتى انقلب كلّ شيء وأصبح لكلّ شيء ثمنه، وها هو الزمن انحنى على الغبار ورحل، وأنت لا تعرف لماذا تنام واقفًا، وحروفك تنفجر وتضحك منك، ألأنك تكتب لمن لا يقرأ ؟ ولنا في قابل الأيام حلقات متسلسلة عن جامعاتنا نقرأ فيها مزيدا من الموضوعات التي لا يجب ان تمر دون وقفة مراجعة من أطياف المعادلة الأكاديمية، وهنا لا نتحدث عن جامعة بعينها؛ وإنما جامعاتنا كلها لأنها في مركب واحد تتنفس تراب هذا الوطن وتصدر مخرجاتها إليه... .

Featured Post

PINK ROSE