الإصلاح التعليمي مبادرات مع وقف التنفيذ وتغيير الوزراء يضيع فرص الاستقرار للأفكار

محمد خير الرواشدة
عمان - من جديد ينفتح مزاد الاقتراحات على تطوير امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة (التوجيهي)، الأمر الذي أعاد الجدل إلى مربعه الأول، وسط أسئلة متابعين عن توفر النوايا الجادة عند وزارة التربية والتعليم في التغيير.
وبرأي متابعين، فإن "التربية" تبدو "مترددة" في تغيير شكل ومضمون امتحان التوجيهي، ويضاعف ذلك "سرعة" تغيير وزراء التربية والتعليم وخصوصاً خلال العامين الماضيين، وهما عمر مقترح تطوير هذا الامتحان.
وبعد أفكار متقدمة طرحها وزير التربية والتعليم الأسبق وليد المعاني نهاية العام 2009 تقضي بتوزيع أوراق امتحان التوجيهي على أربعة فصول دراسية خلال سنتي مرحلة الثانوية العامة وفق مساقات تتواءم وخيارات الطالب في التعليم الجامعي، ها هو وزير التربية والتعليم الحالي وجيه عويس يطرح "مسودة مقترح" تختصر الفكرة السابقة وتستبدلها بفكرة عقد الامتحان في دورة واحدة نهاية كل عام.
وما بين الوزيرين، اكتفى ثلاثة وزراء بإطلاق وعود التغيير، وظلوا يجترون "المقترح المعاني اليتيم" للتطوير، لكن بدون جدوى، وسط خشية من التلاعب في امتحان يحظى بالسمعة والثقة، والخوف من تغييره على جناح سرعة تغيير الحكومات والوزراء.
بين مقترحي المعاني وعويس، فرق كبير، يتضح من خلاله حجم الجدل داخل الوزارة، وفقدان بوصلة خبرائها على اختيار اتجاه التغيير الأمثل في الامتحان الأكثر شهرة في المملكة.
وفيما كان المعاني يذهب باتجاه معالجة حمى التوتر الاجتماعي التي ترتفع مع اقتراب موعد الامتحان؛ وتصل ذروتها مع انتظار إعلان النتائج؛ وتؤثر بالضرورة على الطالب وتحصيله العلمي، فإن عويس يريد من التطوير "ضبط النفقات المالية" الناتجة عن عقد الامتحان لمرتين في العام، والاقتصاد في ذلك من خلال عقده مرة واحدة.
على الأقل هذا ما يمكن استنتاجه من تصريحات عويس الأخيرة، والتي دعم فيها حجته بعقد الامتحان مرة واحدة في العام بسبب الأعباء المالية المترتبة على عقده على دورتين في نهاية مرحلة الثانوية العامة، والتي تصل إلى 25 مليون دينار.
لا يمكن اختصار الحديث عن حساسية السنة الأخيرة لمرحلة الثانوية العامة لدى الطلبة بالحديث عن الكلف، بل إن المسعى الحقيقي لأفكار التطوير يجب أن تكون نابعة من إرادة حقيقية في تطوير مخرجات التعليم الثانوي وإعادة تأهيل مدخلات التعليم العالي.
إن حديث الكلف لا يمت لنوايا الإصلاح التعليمي بصلة، فمطالب المراقبين تركز على فكرة الإصلاح التعليمي، وتجويد مخرجاته تماشيا مع فكرة تنمية الموارد البشرية عبر المراحل العمرية والتعليمية المختلفة، وبصرف النظر عن الكلف المترتبة، وإلا "ما المعنى والفلسفة من أن تحظى "التربية" بحصة وافرة من موزانة الدولة؟"، يتساءل مراقب.
وبعيدا عن اجتزاء التعليق على جزئية كلف الامتحان، فإن توافق نقابة المعلمين ومبادرة عويس بعقد الامتحان في دورة واحدة؛ يشي أيضا، بتوافق الجهتين على فكرة عدم توزيع القلق الاجتماعي وضرورة إخراج طالب الثانوية من دائرة المراقبة الاجتماعية الحثيثة، والتي تتسبب عادة بمضاعفة الأعباء الدراسية، وقد يكون لها دالة سلبية في إخفاق الطالب نتيجة التوتر والرعب المجتمعيين.
بالعودة إلى المبادرة الأولى، فإن توزيع الامتحان على أربعة فصول، قد يسمح للطالب بامتلاك حظوظ مضاعفة من الدراسة باسترخاء بعد التحرر والخروج من دائرة الرقابة الاجتماعية، وهو ما يخدم أيضا فرص تخفف الأسر من الأعباء الاجتماعية لامتحانات "التوجيهي"، خصوصا إذا ما استقرت الامتحانات على مواقيت فصلية اعتيادية يمكن أن تبدأ وتنتهي بدون أن يلحظها المجتمع.
يجب أن تخضع أفكار تطوير الامتحان لجملة دراسات اجتماعية، تجسر في الفهم والربط بين الامتحان وتخفيف حدة التوتر المجتمعي؛ خصوصا مع تزايد أرقام وحالات العنف والشغب عند الطلبة، مع دراسة علمية لتتبع تطور أنماط الغش مع استخدام الحيل التكنولوجية، بالإضافة لاستطلاع رأي يرصد ما إذا تراجعت فعلا الثقة بامتحان "التوجيهي" كعلامة تفصل بين مرحلتين تعليميتين مهمتين.
لا يقلل متابعون من جدوى "مسودة أفكار" عويس، فهي إن حملت أفكارا إيجابية لناحية توحيد مسارات (الفروع) الثانوية العامة بمسارين؛ أكاديمي وتقني؛ وتقليص الأوراق الامتحانية إلى حد معقول، فإنها لم تحمل التطوير المنشود.
فتجريب ما كانت الوزارة قد جربته سابقا من خلال عقد الامتحان مرة واحدة في العام، قد يفتح الباب لانتقادات جديدة، اختبرت حينما تم اللجوء إلى هذا الخيار نهاية القرن الماضي.
ارتباك الوزارة في التعامل مع امتحان "التوجيهي"، وتشتت أفكار التطوير والتحديث، فضلاً عن ترددها في حسم مسألة شكل ومضمون التطوير، وتزايد التوتر الاجتماعي خلال أيام الامتحانات، وارتفاع منسوب الشغب خلالها، وابتكار فنون احتيالية جديدة في الغش وتسريب أوراق امتحانات، كلها عناوين حطت على مكتب الوزير مرة واحدة خلال دورة "شتوية التوجيهي" 2013، وهو ما يستدعي خطة إنقاذ سريعة لسمعة الامتحان.
mohammad.rawashdeh@alghad.jo

No comments:

Featured Post

PINK ROSE