قانون للمسؤولية الطبية أم قانون للمساءلة الطبية؟


أ. د.  وليد المعاني


            تعرف القواميس اللغوية ويفهم الناس من تعبير المسؤولية انها ايكال مهمة لشخص أو جهة لتنفيذها والقيام بها بحيث تناط به أو بها اعباء القيام بها على الوجه الذي يحقق الأهداف المرجوة من المهمة.

            فمن المسؤوليات قيام رب العائلة برعاية شؤؤون منزله واولاده، وقيام مدير الشركة بإدارة شركته، وقيام الطبيب بعلاج مرضاه.  وتحدد القوانين النافذة أو العرف أو الأديان في بعض الحالات هذه المسؤوليات ومداها.


            قد يتبع ذلك، وفي وقت ما، أن يجيء شخص أو اشخاص أو جهة ليروا إن كان ذلك الشخص الموكلة المهمة اليه قد قام بها على الوجه الأكمل حسب قدرته أو مؤهلاته. فقد ترى تلك الجهة أن فلانا قد احسن تنفيذ المهمة، أو ترى أنه لم يقم بذلك قتقوم بمساءلته، وقد تجده مخطئا أو مقصرا أو مهملا.

            تنص القوانين النافذة أنه لايجوز مساءلة القاصر أو المجنون الذى لا يدرك كنه افعاله، وبالتالي فإن مساءلة العاقل امر مباح وجائز.

            لايمكن أن تناط مسؤولية بشخص أو جهة دون أن يفهم ذلك الشخص أو الجهة أنه لاتوجد مسؤولية دون مساءلة، فللمسؤولية حقوق وعليها واجبات، وعلى من تناط به المسؤولية أن يدرك أنه إن تهاون أو اهمل وجبت مساءلته.

            عندما يلج المريض باب عيادة الطبيب الخاص  قصدا للعلاج أو الإستشارة فكأنما قد تم توقيع عقد بين المريض والطبيب يلتزم فيه الأخير ببذل اقصى الجهد لعلاج المريض (وليس شفائه). وعندما يدخل المريض الى المستشفى الخاص فكأنما تم توقيع عقد بين المريض والمستشفى يلتزم فيه الأخير ببذل اقصى الجهد لسلامة المريض (وليس شفائه).

          عندما يراجع المريض مستشفى عاما دون أن يقصد طبيبا معينا، فالعقد بين المريض والمستشفى، وليس بين المريض والطبيب المعالج،  فالأطباء هنا موظفون لدى المستشفى وهو يتحمل مسؤولية موظفيه.

          حتى نضمن الحد الأدنى من السلامة والأمان للمرضى وجب أن ندرك أن الطبيب والمستشفى يتحملان مسؤولية علاج المرضى وتجب مساءلتهما إن اهملا أو قصرا احدهما أو كلاهما.

            إذن فالمسؤولية الطبية والمساءلة الطبية شيئان مختلفان لايجب الخلط بينهما. لقد تحددت المسؤولية الطبية عندما تخرج الطبيب من الجامعة أو انهى اختصاصه ( عليه معالجة المرضى على قدر جهده بماتعلمه)،  أما المساءلة فهو أمر تحدده أعماله اللاحقة.

            لايجوز بأي حال من الأحوال استثناء احد من تحمل نتائج عمله، والحكم في تقرير الخطأ من عدمه هو للقضاء، وله وحده الحكم بأن خطأ قد وقع وماهو عقابه.

عندما تحاول جهة معينة وضع قانون للمساءلة الطبية، وجب أن تكون حيادية، لا هم لها إلا مصلحة المواطن: تريد أن تضمن له حسن الرعاية وأن تمنع ألإهمال والإستغلال. ولما كانت الدولة تتحمل مسؤولية رعاية مواطنيها وما يدور على اراضيها، فتكون هي الجهة الوحيدة المعنية بوضع ذلك القانون وضمان تنفيذه تمشيا مع روح الدستور الذي اناط بها هذه المهمة.

            يجب على الدولة (ممثلة بوزارة الصحة) أن تقود الجهود لوضع هذا القانون وتطبيقه، وذلك عن طريق لجنة تمثل فيها القطاعات المعنية . ففي حالة كحالتنا تقود الوزارة الجهد بمشاركة ممثل الأطباء (النقابة)، وممثل المستشفيات (الجمعية)، وآخرين من القانونين وممثلي المواطنين، يجب أن يكون الثمتيل صادقا وأن تمنع الإزدواجية.

            وعليه ولغلق الجدل في هذا الموضوع ، اجتهد فأقترح وضع قانون يتضمن:
1)   تحديد واجبات ومسؤوليات الأطباء والمستشفيات بصورة واضحة دون لبس
2)  تشكيل لجنة مكونة من ثلاثة من خيار الأطباء من المشهود لهم بالنزاهة والكفاءة،        وثلاثة من قضاة محكمة التمييز، وممثل واحد عن كل من وزارة الصحة ونقابة الأطباء وجمعية المستشفيات الخاصة. يرأس هذه اللجنة اقدم القضاة فيها.
3)   تنظر اللجنة في الشكاوى المقدمة اليها  من المواطنين وتقرر أحد أمرين:
                                                                      أ‌-         أن خطأ أو إهمالا لم يقع وتنصح المشتكي بذلك.
                                                               ب‌-           أن خطأ أو إهمالا قد وقع وتحيل القضية للمدعي العام.
4)   تقوم المحكمة المدنية بالنظر في القضية وتحكم بما تراه، بما في ذلك التعويض المالي.

إن صيانة مكتسبات الأردن في مجال النهضة الصحية والحفاظ على استثمارات القطاعين العام والخاص في هذا المجال، وضمان أن يذهب المريض للطبيب أو المستشفى مدركا أن هناك جهة رقابية تحاسب المخطىء، هي من الأمور التي ستشيع الثقة في الخدمة التى يقدمها الأردن للمرضى وستسمح باجتذاب المرضى من تلك الدول التى تشترط وجود قانون للمساءلة الطبية لإرسال مرضاها للعلاج فيه الأردن.

No comments:

Featured Post

PINK ROSE