قراءة – من على المدرجات – في أوضاع القطاع الصحي الأردني 

أ. د. وليد المعاني

لاشك في أن الأردن قد وصل الى مرتبة متقدمة في موضوع تقديم وتوفير الرعاية الصحية بحيث أن المؤشرات الصحية الرئيسية تؤكد ذلك ، وغدت له سمعة مرموقة في العالم العربي ترجمها المرضى العرب برغبتهم في تلقي العلاج فيه.

غير أن القطاع الصحي يعاني من مشاكل عديدة لو أمكن تداركها ووضع الحلول لها لكان المردود على صحة المرضى اكبر ولكان التطور اسرع، ولأمكن تنظيم هذا القطاع بما يتناسب مع دولة حديثة تحاول احداث تنمية اقتصادية واجتماعية لمواطنيها وتتطلع دوما لدور مؤثر في محيطها العربي الكبير.


يمكن تحديد بعض المحاور التي تؤثر سلبا على هذا القطاع بمايلي، وهي محاور تتداخل وتتباعد بمقدار تبعية أو ولاء الباحث:
1)        غياب التنظيم الفاعل لمهنة تقديم الرعاية الصحية وهي مسؤولية الجهتين المعنيتين بالأمور الطبية، واعني وزارة الصحة والنقابات الطبية، وقد يكون لجمعية اصحاب المستشفيات الخاصة بعض الدور هنا.
2)        كبر أعباء المؤسسات الصحية الحكومية وعدم قدرتها على الإحتفاظ بكوادرها أو استقطاب كوادر مؤهلة جديدة وازدياد الفرق في مستوى الخدمة بين ما تقدمه هي وما يقدمه القطاع الصحي الخاص.
3)        إزدياد اعداد المقبولين في الكليات الطبية الرسمية بصورة غير مسبوقة دون أن يقابل ذلك ازدياد في اعضاء الهيئة التدريسية أو ازدياد في الرضى الوظيفي في الوجودين منهم، وعملهم في مؤسسات تعاني من مشاكل مالية تمنع التقدم أو حتى البقاء.
4)        ارتفاع فاتورة العلاج الطبي مما أدى لزيادة مايدفعه المواطن من جيبه على الرغم من وجود تأمينات مبعثرة وتحميل بعض المؤسسات الحكومية وزر هذه التأمينات.

لا استبعد قريبا وجود برناج يشبه سوبر ستار موجه للأطباء فقط للبحث عن سوبر طبيب العرب مادامت الفضائيات وجدت من بينهم من يظهر عليها ويتناقش مع زملائه في أمور لا يفهمها العامة ويتفهوا اراء بعضهم وقد يجري بث العمليات في الملاعب ما دامت الفضائيات تبحث عن مادة مثيرة واللاعبون موجودون بكثرة.

لقد تخلت الدولة عن مسؤوليتها في تنظيم أمور المهن الطبية وتركتها للنقابات، والنقابات كما يدل اسمها عليها هي تجمعات لأصحاب مهن محددة تهدف للدفاع عنهم أمام الأخرين والحصول لهم على اكبر الأجور واحسن الفرص وتنظم أمورهم بمايخدم مصالحهم.

لا استطيع الإدعاء انني مغرم بالنقابات كما هي، واعتقد انهم يبادلوني نفس الشعور ولكن هل يعقل أن لا يستطيع وزير الصحة مساءلة طبيب تسبب في مشكلة طبية؟ نعم يستطيع الوزير مساءلة الطبيب العامل في الوزارة ويستطيع مدير الخدمات مساءلة الطبيب العامل لديه وكذلك رئيس الجامعة. أما من يساءل الطبيب في القطاع الخاص و نقابته ترعى مصالحه وتبحث له عن الأحسن ولن تفكر في محاسبته على عكس ما يدعون؟.. حين تقدمت بمشروع المساءلة الطبية عندما كنت وزيرا للصحة وخلال المناقشة في ديوان التشريع قال نقيب الأطباء " انني هنا لأرعى مصالح الأطباء" فقلت له "اننى هنا لأرعى مصالح المواطنين وهم أكثر". ففي حقيقة الأمر فإنها نقابة الأطباء العاملين في القطاع الخاص، ولولا ان الإنتساب اليها الزامي لنسحب منها الكثيرون. هل ّان ألأوان لإنشاء نقابة الأطباء العاملين في القطاع العام؟.

في بريطانيا يقوم بالدور الذي تقوم به نقابتنا ثلاثة مؤسسات هي الجمعية الطبية البريطانية وهي معنية بالأمور العلمية والثقافية والإجتماعية، واتحاد العاملين في المؤسسات العامة من العاملين في الحقل الصحي وهو معني بالأجور، واتحاد الدفاع عن الأطباء فيما يتعلق بالأخطاء الطبية. ولكن تنظيم مهنة الطب ومساءلة الأطباء والسماح لهم بالعمل او ايقافهم أمر مناط بالمجلس الطبي البريطاني. لقد تم اختزال دور المجلس الطبي الأردني بترتيب الإمتحانات واستلبت الأدوار الأخرى منه. يجب أن يحدد دور جديد للنقابة يمثل واقعها الصحيح وأن توزع الأدوار على كل الأجهزة المعنية.

يدور جدل هذه الأيام حول موضوع " اّرمات الأطباء" ويتهم البعض أمانة عمان بالتسرع في إزالتها بضربها بالصواريخ!!! وعلى الرغم من غبطتي بقرار الأمانة وتأييدي له، فإنني ادعو نقابة الأطباء – مادمنا سنصنع اّرمات اصغر وأجمل – أن تلزم اعضاءها باستخدام الألقاب المهنية الصحيحة، إذ من غير المعقول أن جميع الأطباء "مستشارين" حتى الذي تخرج بالأمس. والجديد ان الأغلب سيضعوا امام اسمائهم لقب الأستاذ وهم لم يعملوا في جامعة على الإطلاق أو كانوا اعضاء سريرين لفترة قصيرة، فحذفوا كلمة السريري وأداموا اللقب الذي لاحق لهم فيه. أن قانون تنظيم الألقاب لا زال يقبع في ادراج نقابة الأطباء منذ ما يقرب من عشر سنوات وسيبحثونه حال توفر الوقت الذى تشغله أمور اهم.

تعاني المؤسسات الصحية الحكومية من تردي الرضى الوظيفى لدى العاملين لتدني الأجور وتبلغ الإستنكافات عن التعيين نسبة كبيرة، ولن تتمكن هذه المؤسسات من استقطاب الكفاءات دون وضع سلم جديد للرواتب أو تعديل خطط الحوافز القائمة في بعض منها أو العودة الى نظام العمل الجزئي والسماح بالعمل الخاص حسب انظمة ترتب الأمور وهو النظام الذي كان متبعا لغاية عام 1965 عندما تم الغاؤه. يصاحب كل هذا نقص في الموازنات لا تبيح شراء الأحدث أو استبدال التالف. يجب أن تتاح الظروف المالية للمؤسسات العامة لتقود في مجالاتها لا أن تكون كالحاج عند عودة الحجيج. ولايجوز تحويل المرضى لأي جهة لعدم توفر جهاز أو طبيب. إن استمرار هذه السياسات لن يؤدي إلا الى هجرة الأطباء والمرضى من المؤسسات العامة على حد سواء.

كنا نفاخر بمستويات خريجينا من مختلف المعاهد الصحية، كانت أعداد المقبولين معقولة واعضاء هيئة التدريس كافون. ثم فتحت ابواب القبول لأسباب كثيرة دون أن يصاحب ذلك زيادة أعضاء هيئة التدريس أو زيادة البنى التحتية أو توفير أماكن التدريب. لقد انعكس هذا على مستويات الخريجين ولولا أن طلبة الطب اصلا هم طلبة متميزون ويعرفون كيف يتعلموا ويساعدوا انفسهم لأنكشف المستور. ستخرج الجامعة الأردنية هذا الأسبوع 150 طبيبا (ثلاثة اضعاف من تخرج عام  1985)، ولا اعتقد أن عدد الأساتذة اختلف بين هذين العامين. في جامعة العلوم والتكنولوجيا سيتخرج هذا العام (330) ْ طبيبا. يجب اعادة النظر في اعداد القبولين أو توفير المتطلبات لهم.

       تعاني المؤسسات الصحية من نقص حاد في هيئة التمريض من الفتيات وهناك فائض من الممرضين. اتذكر عندما كان كل أو معظم طلبة كليات التمريض من الفتيات ثم جاء من يلغي ذلك وقسمت الأعداد بالتساوي في بعض الجامعات. إذا لم يكن هناك طلب على الممرضين فلماذا الإصرار على الخطأ؟

تطالب كافة الجهات الشعبية بافتتاح مستشفيات حكومية في كل مكان والمطلوب من وزارة الصحة و الدولة توفير مبالغ طائلة لبنائها، فإن لم تقم فإن الدولة مقصرة. لماذا لا تشتري الوزارة الخدمة؟ ولماذا لا تتوقف عن بناء المستشفيات الجديدة. نستطيع تحويل مديرية التأمين الصحي في وزارة الصحة الى مؤسسة مستقلة تسندرج عروض علاج المؤمنين، وتتقدم الوزارة من ضمن المتقدمين لتقديم الخدمة في مدن معينة وفي تخصصات معينة وقد تحال عليها مسؤولية الخدمة أو على غيرها، ولن يكون هناك داع لأن تقيم مستشفى جديدا فهناك كثيرون مستعدون ويطالبون بالدخول لهذه الشريحة. ستتفرغ الوزارة للرعاية الصحية الأولية ولتوفير رعاية علاجية حسب امكاناتها القائمة.

سيواجه الأردن في السنوات القادمة مشكلة في توفير اماكن للتخصص العالي في فروع الطب نظرا لبدء كافة الدول المتقدمة في تطبيق سياسات اغلاقية تخدم مواطنيها فقط. يجب علينا التنبه لهذا والبدء في وضع خطة لتفادي الأزمة القادمة. وقد كتبت في الموضوع مقالين نشرا في صحف رئيسية ولم يحرك احد ساكنا، ولا ادري هل وضع المقال بجانب صفحة الوفيات قي احد هذه الصحف كان مصادفة أو مؤشرا على أن لا حياة لمن تنادي. إن الحل يكمن في " انشاء الهيئة الوطنية لبرامج الإقامة"، لا تتبع جهة طبية معينة يديرها الأكفياء وتستخدم فيها كافة القوى البشرية المؤهلة وتستعمل فيها كافة المؤسسات القادرة، وستخرج الطبيب الإختصاصي الأردني المؤهل عاليا. ونحن قادرون على ذلك لأن سجل هذا الوطن مزركش بالإنجازات التي توفر لها الإرادة والدعم.

No comments:

Featured Post

PINK ROSE