الحقيبة



الحقيبة

كنت انتظرها كل يوم عند العصر. كانت تعود من مدرستها حاملة حقيبة الكتب. تطل من بعيد بثوبها الأزرق كسماء أو بحر لا حدود لهما. كان عمري ست عشرة سنة، ولم أكن قد نظرت إلى وجه فتاة قبل ذلك.

كانت الطالبات في تلك الأيام يحملن كتبهن في حقائب صغيرة لها "سحاب" يحيط بها من ثلاث جهات، اشبه ماتكون بمحفظة المحامين التي يضعون فيها اوراقهم عند الذهاب للمحاكم. كن يحتضنّ الحقائب قريبة من القلوب ويتضاحكن. كان الطلبة الذكور يحملون كتبهم كربطة حولها خيط مطاطي ويلوحون بمجموعات الكتب بعيدا عنهم.

كانت كلما اقتربت مني تسارع النبض في قلبي وتفصد العرق على جبيني، وحين تمر بجواري كنت أحس انني ذبت في شيء لم أعرف كنهه. كانت عندما تصبح أمامي تزيح عينيها نحوي درجتين أو عشرة لا أدري، وتضغط بذراعيها على الحقيبة. كان يغمى علي عندئذ ولا أستفيق إلاّ بعد أن تكون قد انعطفت في الشارع الجانبي واختفت عن ناظري.

انتظرتها الف يوم، وحظيت بألف نظرة، ولم أجرؤ على مناداتها أو الحدبث معها، وسافرت أنا وذهبت هي.

مازلت بعد أقمار عديدة وأصيف، اتذكر اللون الأزرق وأشتم العطر وأحس بدقات القلب وأشفق على الحقيبة وأشعر بدوران خفيف.


الإسكندرية أبريل 1971

No comments:

Featured Post

PINK ROSE