القبول في الجامعات الأردنية الرسمية: خلط الأوراق في الآليات والمعايير والأسس

جري هذه الأيام خلط كبير بين مفاهيم ثابتة في التعليم العالي تتعلق بآليات القبول (موحدا أم مباشرا)، ومعايير القبول (شهادة الثانوية أم امتحان قبول) وأسسه (معدل مرتفع أم منخفض، وتنافس أم غيره). ويؤدي الخلط (الناتج عن عدم الإحاطة بالحيثيات) إلى مزيد من عدم الفهم بين الناس، ومزيد من الشك بالدوافع، ومزيد من عدم الرضا.
فمن الناس من يؤيد تغيير الآلية، لاعتقاده أنها ستؤدي لتغيير الأسس التى لا يرضى عنها، أو أنها ستسمح للمعيار أن يتلاءم مع ما يريد. وحتى أكون أكثر وضوحا، فإن كثيرين يعتقدون خاطئين أن تغيير الآلية إلى قبول مباشر سوف يسمح للجامعات أن تقبل "SAT 1" مثلا، أو أنها ستؤدي لمنع أوائل المحافظات من الحصول على مقاعد في الكليات المهمة. وبالتالي، فهو يؤيد إلغاء القبول الموحد. فإن أضفنا أن خفضنا معدل القبول إلى 80% في تخصص الطب، فإن مؤيد إلغاء القبول الموحد سيزداد حماسة، لأنه يعتقد أن فرص قبول ابنه ستزداد. وهو أيضا اعتقاد خاطئ، بسبب تطبيق الاعتمادية ومحدودية المقاعد.
إن اختيار آلية مناسبة لتنفيذ عملية القبول في الجامعات الأردنية الرسمية يعتمد في الأساس على طبيعة عنصرين أساسيين هما:
1 - أسس القبول التي تحدد القواعد التي تحكم عمليات القبول، والتي تتضمن الشروط العامة للالتحاق بتخصصات الجامعات المختلفة، كما تحدد أيضاً فئات من الطلبة يمكن قبولهم في هذه الجامعات.
2 - معيار القبول المعتمد للمفاضلة بين الطلبة، والذي يستند عليه في تقرير من هم الطلبة الذين يمكن قبولهم في جامعات/ تخصصات معينة.
وعليه، فالآلية التي يمكن اتباعها لتنفيذ عمليات القبول في الجامعات الأردنية الرسمية لا يمكن أن تكون خارج أحد البديلين التاليين:
1 - القبول المباشر: أن تقوم كل جامعة أردنية رسمية على حدة باتخاذ الترتيبات اللازمة لاستقبال طلبات الالتحاق فيها. وبعد ذلك تقوم بإعلان أسماء الطلبة المرشحين للقبول في تخصصاتها، ويتم ذلك وفقاً لسياسة القبول المعتمدة ومعيار الطلبة المرشحين للقبول المحدد في هذه الأسس، وضمن الأعداد المقرر قبولها في كل تخصص.
2 - القبول الموحد: أن تقوم جهة مركزية باتخاذ الترتيبات اللازمة لاستقبال طلبات الالتحاق لجميع الجامعات الأردنية الرسمية. ومن ثم تنفيذ عملية القبول بمختلف تخصصات هذه الجامعات، تبعاً لأسس القبول المعتمدة، ومعيار القبول الجامعي المحدد في هذه الأسس، وضمن الأعداد المقرر قبولها في تخصصات الجامعات الأردنية الرسمية.
إن اختيار الآلية الأكثر ملاءمة ومناسبة للقبول في الجامعات الأردنية الرسمية يعتمد في الأساس على طبيعة معيار القبول المعتمد في أسس القبول النافذة.
فإذا ما كان مفهوم استقلالية الجامعات:
(1) يحتم على كل جامعة أن تقوم بتبني أسس قبول خاصة بها، وأن تكون هذه الأسس متباينة فيما بين هذه الجامعات.
(2) يعطي كل جامعة الحق في تبني معيار خاص بها لقبول الطلبة والمفاضلة فيما بينهم، وأن هذا المعيار سيختلف من جامعة أردنية لأخرى.
ففي هذه الحالة فإن الآلية الأنسب والوحيدة تتمثل بالقبول المباشر، أي أن تقوم كل جامعة باتخاذ الترتيبات اللازمة لتنفيذ عمليات قبول الطلبة فيها.
أما إن كانت أسس القبول النافذة موحدة لجميع الجامعات الأردنية الرسمية، وكان معيار القبول المعتمد للمفاضلة بين الطلبة عند توزيعهم على الجامعات/ التخصصات موحداً (امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة، أو امتحان قبول جامعي موحد للجامعات أو أي توليفة من عنصرين أو أكثر من المعايير الموحدة لجميع الطلبة)، فإن الآلية الأكثر ملاءمة ومناسبة لتنفيذ عملية القبول في الجامعات الأردنية الرسمية تتمثل بآلية القبول الموحد، نظراً لما تحمله في ثناياها من مزايا وخصائص.
ويمكن توضيح إيجابيات وسلبيات كل من آليتي القبول المذكورتين سابقاً، وذلك على النحو التالي:
أولاً: القبول المباشر:
أ‌) الإيجابيات:
1 - تستطيع كل جامعة أن تتبنى أسساً للقبول أكثر ملاءمة لها من حيث طبيعة مناهجها وتخصصاتها وموقعها الجغرافي وخصائص الطلبة الملتحقين بها.
2 - تستطيع كل جامعة أن تتبني معياراً خاصاً بها عند المفاضلة بين الطلبة المتقدمين للالتحاق بها، وتوزيعهم على تخصصاتها المختلفة. وهي بذلك تستطيع اختيار الطلبة الذين تعتقد، وفقاً لمعيارها الخاص، أنهم يمتلكون إمكانات وقدرات عقلية أو تحصيلية تتيح لهم إمكانية اجتياز متطلبات الدراسة الجامعية فيها.
ب‌) السلبيات:
1 - تتحمل كل جامعة أعباء ومسؤوليات وجهودا إدارية وتنظيمية مضنية. وتتحمل أيضا تكاليف مالية إضافية تترتب عليها لقاء تنفيذ عملية القبول فيها، والتي ستستمر لمدة زمنية لا تقل بأي حال عن شهر ونصف الشهر قبل بداية الدراسة. وقد تتحمل كل جامعة أيضاً هذه التبعات جميعها وبحجم أكبر إن اختارت اعتماد معيار قبول خاص بها يتمثل بعقد امتحانات قبول خاصة بكل مجموعة من تخصصاتها أو بعقد امتحان قبول عام لجميع التخصصات فيها.
2 - سيتحمل معظم الطلبة الأردنيين جهوداً مضنية وتكاليف مالية قد تكون مرتفعة، وقد تثقل كاهل أولياء الأمور، مقابل أن يقوم الطالب بدفع رسوم لأكثر من طلب التحاق. وقد يصل الأمر بالطالب أن يتقدم إلى 10 جامعات في الوقت ذاته. ولكن، هل يتحمل الطالب الجهود المترتبة عليه لقاء تقديم 10 امتحانات قبول على الأقل في مدة زمنية قد لا تتجاوز أسبوعين؟
3 - ستكون الجامعات الأردنية مضطرة لاتباع أسلوب إعلان أسماء الطلبة المرشحين للقبول على دفعات متتالية. ويؤدي هذا الأسلوب إلى أن تأخذ عملية القبول الجامعي مدة زمنية طويلة نسبياً، وذلك بهدف استكمال قبول الأعداد المقرر قبولها في مختلف تخصصات الجامعة. ومن المؤكد أن يرتب هذا الأسلوب هدراً في المقاعد المتاحة في معظم الجامعات، وبخاصة الجامعات في الجنوب. وقد يتحقق هذا الهدر بسبب قبول الطالب في أكثر من جامعة في الوقت ذاته. وسوف يرتب هذا الأسلوب من القبول على الطلبة متطلبات مالية عالية مؤقتة لأن الطالب مضطر لدفع الرسوم الجامعية في حال إعلان قبوله فيها، ووفق هذا الأسلوب قد يقبل الطالب في 10 جامعات إن تقدم إليها وكان معدله في معيار القبول المعتمد مرتفعاً.
4 - إن الأهم من هذا وذاك هو ما سيحدث إن اختارت الجامعة إجراء مقابلات للطلبة، و/ أو أضافت امتحان قبول بالإضافة لامتحان الثانوية العامة. والأمران سيؤديان لإطالة وقت القبول وإدخال عوامل غير موضوعية فيها، ليس أقلها الضغوط الاجتماعية والواسطة.
5- وقد تختار الجامعة إلحاق الطلبة بالجامعة ابتداء بدون تخصص، أو في الكلية ذات التخصصات المتعددة، ليتم توزيعهم لاحقا على الكليات والتخصصات. وقد تمت تجربة هذا وأدى إلى تدخلات خارجية في قرار توزيع الطلبة على الأقسام أو على التخصصات، على الرغم من اعتماد المعدل التراكمي لذلك. فكيف سيكون الأمر لو أن التوزيع تم بعد امتحان أو مقابلة؟
ثانياً: القبول الموحد:
أ‌) الإيجابيات:
1 - تقليل الجهود والمسؤوليات والتبعات والنفقات المالية التي ستتحملها كل جامعة أردنية لتنفيذ عملية القبول فيها، والتي تستمر لمدة لا تقل عن شهر ونصف الشهر.
2- تقليل الجهود والنفقات المالية المترتبة على الطلبة وأولياء أمورهم والمتمثلة بقيام الطالب بدفع رسم طلب التحاق واحد للجامعات الأردنية، وبذل جهد بسيط لتعبئة هذا الطلب إلكترونيا.
3 - تحقيق الاستغلال الأمثل لجميع المقاعد المتاحة في الجامعات الأردنية، وذلك لأن هذه الآلية لا تتيح للطالب قبولاً في أكثر من تخصص واحد في الجامعات. وبهذا يتم تقليل الهدر في المقاعد المتاحة فيها إلى أدنى درجة ممكنة.
4 - تحقيق العدالة التامة، فالمعيار الوحيد هو علامة امتحان الثانوية العامة. 
5 - القضاء على فترة الانتظار والقلق التي يمكن أن يعيشها الطالب وذووه في دوامة دفعات القبول المتتالية من 10 جامعات، وهم ينتظرون قبوله في جامعة/ تخصص ما.
ب) السلبيات:
إن هذه الآلية لا تحمل في مضمونها أي سلبية تعود لطبيعتها. ولكن يتحدث كثيرون عن مثل هذه السلبيات، وهم في الحقيقة يقصدون جوانب أخرى ذات علاقة بعملية القبول في الجامعات الأردنية الرسمية. فالسلبيات التي يتحدث عنها البعض قد تعود إلى ما له علاقة بأسس القبول النافذة التي تحكم عملية القبول، أو إلى ما له علاقة بمعيار القبول المحدد في هذه الأسس، ألا وهو امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة.
وتتحدث الصحف عن توجه جديد لمجلس التعليم العالي لتعديل أسس القبول الجامعي تعديلا جذريا، يهدف إلى "الخروج بصيغة عادلة تكفل أن يأخذ كل طالب حقه، وأن يكون القبول في التخصص وفقا للقدرة العلمية". ويتلخص المشروع في توجه لمجلس التعليم العالي لإخراج القبول في كليات الطب والهندسة من القبول الموحد، بحجة التحديث والتجديد والتطوير. ويأتي هذا بعد المأساة التي حدثت هذا العام في القبول الجامعي نتيجة ارتفاع معدلات امتحان التوجيهي.
يبنى القبول المقترح على دراسة الطالب لسنوات أو سنة تحضيرية قبل أن يتم بيان إن كان صالحا لإكمال دراسته في الجامعة ليصبح طبيبا أو مهندسا، أو أن يتم تخريجه بشهادة في العلوم (أحياء، أو رياضيات، أو ما شابه)، وذلك بغض النظر عن معدله في الثانوية العامة التي، وحسب ما ورد في الصحيفة، سيترك له وزن 30% من القبول. وسيأتي هذا الجزء من المعدل ليلعب دوره في نهاية السنة (أو السنوات) التحضيرية ليدخله في كلية، بعد أن يكون المعدل ككل قد أدخله في الجامعة.
يقول الخبر المنشور، والذي يتحدث عن توجه مجلس التعليم العالي: "كما وستقوم اللجنة بإجراء حوارات مع كافة الجهات ذات العلاقة، من نقابات والمجلس الطبي الأردني، بهدف رفع سوية الدراسة في كلية الطب وضمان سلامة المخرجات، حيث سيتم توحيد الحد الأدنى لدراسة الطب في الجامعات الخارجية والمحلية بمعدل 80 %، بحيث يتمكن كل طالب حاصل على هذا المعدل ورغب في دراسة الطب التقدم إلى الجامعة مباشرة بحيث يتم إجراء امتحان يتم فرز الطلبة وقبول عدد منهم، ومن ثم قبولهم في سنة تحضيرية، ومن ثم يتم إجراء تقييم ثان للطلبة. ووفقا للتحصيل في المواد العلمية لهذه السنة، يتم اختيار الطلبة القادرين على الإكمال في هذا التخصص".
ويقول كذلك: "وفيما يخص معدل الثانوية العامة، فإنه سيكون له نسبة معينة لا تزيد على 30 % في تلك الأسس. وسيكون تخصص الطب البشري البداية، فيما سيتم تطبيق الأمر على كافة التخصصات الطبية والهندسية في مرحلة لاحقة. وبهذا، فإن مزيدا من الاستقلالية ستمنح للجامعات بحيث تقرر مدخلاتها من الطلبة والتي بالضرورة ستكون آخذة بعين الاعتبار تخريج كفاءات علمية".
وهذا خلط بين مفهومين:
المفهوم الأول: وهو السنة التحضيرية كما نعرفها (إعدادي الطب) أو (foundation year). وهي جزء لا يتجزأ من التخصص الذي قبل فيه الطالب، والذي لن يجبر على تركه إلا إذا اختار هو أن يترك الدراسة أو أن يرسب فيه ويفصل من الجامعة وحسب قوانينها وأنظمتها.
المفهوم الثاني: وهو قبول مجموعة من الطلبة الراغبين في دراسة مجموعة من التخصصات المتقاربة (طب، وطب أسنان، وصيدلة) في برنامج واحد قد تقصر مدته (سنة) أو تطول (4 سنوات)، يتم تقييم الطلبة بعده (إمتحان أو/ و تجرى لهم مقابلات) يتم بعده توزيعهم على تخصصات قد لا يكونون أرادوها ابتداء، أو أن يقال لهم "حظاً أوفر" (Hard luck) لا يمكنكم الانتقال إلى هذه التخصصات، وعليكم (إن كان البرنامج من سنة واحدة) البحث عن كلية أخرى! أو (إن كان البرنامج من 4 سنوات) يعطى الطالب شهادة من كلية العلوم!
وللأمانة، فهذا هو الأسلوب المتبع في الولايات المتحدة (ما عدا قضية الـ30%). وللأمانة أيضا، فقد جرب هذا الأسلوب في الأردن (في عهد د.عبدالسلام المجالي) ورجعت الجامعة عنه بعدما تبين عدم عملية تطبيقه في الأردن. فلقد درس الطلبة في الجامعة الأردنية من الذين يرغبون الالتحاق في الطب وطب الأسنان والصيدلة والتمريض مع بعضهم لسنوات عديدة كطلبة في كلية العلوم، وواجهت الجامعة مشاكل عديدة عندما جاءت لتقرر من يذهب لأي كلية، مما حدا بها لإلغاء المبدأ وجعل القبول مباشرة في التخصص المعني بناء على المعدل في امتحان الثانوية العامة.
إن المشكلة ليست في أسس أو طرق القبول، ولكن في الطلب الشديد على المقاعد المحدودة وارتفاع المعدلات. وستبقى المشكلة قائمة بغض النظر عن طريقة اختيار الطلبة.
ولا بد أن تعطى وزارة التربية الفرصة الكاملة لتطوير امتحان الثانوية العامة قبل البدء في إجراء تجارب جديدة على آليات ومعايير وأسس القبول. فما يزال امتحان التوجيهي هو الامتحان الأكثر موضوعية ونزاهة كمعيار للقبول في الجامعة.
إن امتحانات القبول المحلية أو الموضعية غير المقننة وغير المعايرة، كما هو الحال عادة، والمقابلات الشخصية، هي الطريق الأمثل لإعطاء المقاعد بناء على  التدخل الشخصي غير الموضوعي، واستبعاد من قد يكون لهم الحق في هذه المقاعد.
وأود أن أحذر من السير في هذا الاتجاه لأنه لن يحقق العدالة، ولن يرفع المستوى، ولن يحقق أيا مما هو مطلوب، بل إنه سيخلق مشاكل اجتماعية نحن في غنى عنها. أما تخفيض معدل الطب إلى 80 % فهو بحد ذاته توجه لا يستشرف المستقبل أو يتحسس المشاكل. إن كان أولئك الحائزون على معدل فوق 85 % يعدون بعشرات الآلاف، فكيف نبرر إعطاء الأمل غير الحقيقي لآلاف غيرهم، ونضيف إليهم الدارسين حاليا في الخارج والذين يستطيعون الآن الدراسة في الخارج بمعدل 70 %؟ سيكون هناك وضع غير مقبول عندئذ، ولا أعتقد أنه سيكون مريحا.
وعليه، فإنني أهيب بأعضاء مجلس التعليم العالي دراسة التجارب الأردنية السابقة في هذا المجال، والاستفادة من المعطيات التي دفعتنا للقبول الموحد، وكذلك الأسباب التي دعت إلى إلغاء القبول في السنوات التحضيرية أو القبول في الكليات ذات التخصصات المتعددة، ثم توزيع الطلبة (الهندسة، والعلوم، والزراعة)، بحيث تم حل المشاكل بالقبول المباشر في التخصص.

No comments:

Featured Post

PINK ROSE