الجامعات الأردنية: حالة احتضار أم مرض صعب؟
حديث  في الإستكانة والصراع وفي الأمل والإحباط واليأس


الأستاذ الدكتور وليد المعاني

جاء في لسان العرب تحت فعل حضر، أنه ورد في الحديث الشريف" أن هذه الحشوش محتضرة" أي يحضرها الجن والشياطين، وقوله تعالى "فأعوذ بك ربي أن يحضرون" أي أن تصيبني الشياطين بسؤ.  وحضر المريض واحتضر إذا نزل به الموت، واحتضرت الفرس أي ركضت، والمحاضرة، المجالدة وهو أن يغالبك على حقك فيغلبك عليه ويذهب به.


فالاحتضار هو حالة تسبق الوفاة مباشرة، ومقدمة لها ولا خروج منها. وبالتالي فالنتيجة حتمية ومعروفة. والوفاة حالة نهائية لا عودة منها. والاحتضار حالة استكانة وقبول بالأمر الواقع وتسليم به، فهو أمر الله لا مرد له. وعلى الرغم من المعاناة العاطفية المصاحبة لها، فقد تكون الوفاة مخرجا من الألم والعذاب، وقد تكون "فرجا" لمن كانوا ينتظرونها. وينتهي المشهد بالدفن ويعود كل لداره وينفض السامر.


والمرض حالة مستجدة وطارئة، وله اسباب ومسببات، وهو حالة ليست نهائية، وبالتالي يمكن العودة منها إن توفر التشخيص والعلاج. وقد يكون المرض صعبا وطويلا وفيه معاناة كبيرة. وفي كل الأحوال يوصف المرض الصعب "بالعضال" وتوصف مرحلته بغض النظر عن نتائجها "بالمعركة" و"بالصراع"، كأن يقال توفي فلان بعد صراع طويل مع المرض..... الخ.

هذا المدخل استحضره للحديث في حالة الجامعات الأردنية: هل هي في حالة احتضار، أم انها اصابها الوهن والهزال؟ وهل ماتمر به أمر جلل وهي في خطر أم انها في مرحلة تحول وانتقال؟

وأبادر لأقف بقوة في صف من يقولون بأن ما أصابها هو مرض ووهن. لأننا لو قبلنا بمقولة الإحتضار، فقد قبلنا بالمصير المحتوم وعد الأيام انتظارا لمراسم الدفن ومن بعد ذلك تقسيم الأرث.

تعاني الجامعات الأردنية من أمراض متعددة بعضها سهل وبعضها الأخر صعب. والبعض منها "مضاعفات" للمرض نفسه، و"تأثيرات جانبية" للأدوية التي استخدمت للعلاج. وهناك جزء غير يسير منها ناتج عن تخبط المشرفين على العلاج وكثرة اجتهاداتهم وتدخلهم في عمل بعضهم البعض. لا بل فإن ممن يصفون العلاج والدواء أناس لا علاقة لهم بالطب وبالمداواة، ويدخلون في صنف وباب المدعين، أو انهم أطباء عفا الزمان على طبهم الذي كان صالحا في زمن الكتاتيب، ولم يعرف عنهم انهم انقذوا مريضا أو ساعدوا في شفائه.

أجدني لا استطيع الا المقاربة بين وضع الجامعات الأردنية وبين وضع مريض حرج، فالأمران سيان والتشابه كبير لحد التطابق.

هناك ثلاثة اسئلة تحتاج لإجابة، أو هي حقائق تحتاج لدراسة:
1)  هل صحيح ان أي جامعة عربية لم تظهر في كشف أحسن 500 جامعة في العالم؟
2)       هل صحيح أن أي جامعة أردنية لم تظهر في كشف الجامعات الأسيوية؟
3)    هل صحيح أن الجامعة الأردنية جاءت ثالثا في مكان ما بعد جامعات اردنية اخرى؟

إن كانت الإجابة على جميع هذة الأسئلة بالإيجاب، فلابد أن هناك اسبابا أدت لكذا نتيجة.

إنما، دعوني أتسائل، هل كان ترتيب جامعاتنا أحسن وأرفع في السابق؟ بحيث أننا تدهورنا وعليه فإن علينا أن نندب حظنا العاثر، وأن نعلن أننا نحتضر. أم أن المعايير التي تستخدم في عملية ترتيب الجامعات قد خذلتنا؟، هل لو استخدمت معايير اخرى مغايرة أما كان من الممكن أن تخدم جامعاتنا بتحسين مركزها؟

 من الواضح أن الجامعات الأردنية ستحصل على صفريين كبيرين يوضعا مقابل اسمها في عمودي  براءات الاختراعات المسجلة  الأردنية أو أعداد الحاصلين على جوائز نوبل فيها. قد يكون لو أننا أحدثنا عمودا لبحوث الدكتوراة المنشورة من قبل طلابنا فقد تتحسن علاماتنا، المفجع اننا سننال صفرا أخر. سننال صفرا في نسبة عدد رواد المكتبة من الطلاب، وصفرا في المشاركة الطلابية خلال الدرس، سننال صفرا كبيرا في التجديد في طرائق التدريس وكأننا لا نريد أن ننفصل عن كتاب القرية لأنه محفور في ذاكرة تريد أن تجر الماضي، ليس على الحاضر فقط بل على المستقبل.

في حقيقة ألأمر فإن أي ذكر لجامعة أردنية لم يات في أي مكان. لم تذكر أي جامعة عربية في قائمة جريدة التايمز اللندنية للتعليم العالي لأول 200 جامعةفي عام 2008.  وفي تقرير بوابة العلوم والهندسة في العالم لعام 2007  لم تظهر أي كلية عربية. في تقرير مؤسسة التعليم العالي التابعة لجامعة شنغهاي جياو تونج الصينية ظهرت جامعة القاهرة في المرتبة  406  من ضمن 500.  لقد سجلت جامعة القاهرة كل نقاطها من خلال عمود علاقاتاتها مع خريجيها، وسجلت صفرا في كل الأعمدة الأخرى المتعلقة بالجوائز والبحوث وعدد البحوث المستشهد بها.....الخ. توقفوا قليلا.... هناك ترتيب أخر للجامعات تقيمه مؤسسة " من أجل الكليات والجامعات الدولية" كان ترتيب جامعة القاهرة فيه 150 من 500، وتظهر فيه أول جامعة عربية تحت 100 لا بل تحت 50، وهي جامعة قطر عند 39. مالذي أظهر هذه الجامعة هنا ولم يظهرها هناك؟ عندما نتطلع  للمعيار المستخدم، نتفاجأ.بأنه عدد زيارات موقع الجامعة على شبكة الأنترنت..... دعونا إذن نصوت.... كلما دخلنا للموقع اكثر كلما تقدم موقع جامعاتنا. أي هراء هذا!!!! لابل سنفعل اكثر من ذلك، سننشىء موقعا على الأنترنت ونسميه "جامعات للمستقبل" سيكلفنا ذلك 60 دينارا ، ثم نقرر ترتيب الجامعات على حسب معايير نحددها نحن، عدد اشجار السرو، عدد الطلبة منسوبا للمساحة، عدد الطلبة اللذين لايرتادوا مكتبة، ومدة جلوس الطالب في ساحات الجامعة لايفعل شيئا، وننهيه بعدد الساعات التي يقضيها عضو هيئة التدريس دون أن يدخل جامعته. لقد ادركنا الأن أن الجامعة أو الجامعات الأردنية ستحتل المراكز الأولى. سيرتاح منا ضميرنا ونقول ليس في الإمكان أحسن مما كان.

وهذا الأمر يشبه لحد كبير موضوع احد انواع الأيزو والذي يخيل للبعض ان وجود علامته على باب شركة أو مستشفى او جامعة يعني التميز وجودة المنتج. أن شهادة الأيزو لا تضمن جودة المنتج بل تضمن أن الطريقة التي اديرت بها عملية الإنتاج هي عملية موثقة ويمكن اعادتها بحيث يمكن انتاج المنتج بنفس الصيغة كلما أردنا. لايهم إن كان المنتج جيدا أو سيئا، المهم أن عملية الإنتاج موثقة ويمكن تكرارها. والسؤال هل يعلم المستهلك هذا؟

الحقيقة أن استخدام أي معيار غير المعايير المعتمدة وهي المتعلقة ببراءات الإختراع والأبحاث المنشورة وجوائز نوبل وفرص توظيف الخريجيين وعدد المنح الدراسية، هو ضحك على الذقون وايهام للنفس. أن تطبيق المعايير السالفة الذكر هو الذي منع أي جامعة عربية من الظهور، وسيمنع أي جامعة اخرى من الظهور مستقبلا إن لم نصحح الوضع. وفي نفس الوقت فإن ألإنجراف وراء هذه التقارير والجداول والترتيبات أمر محبط، وعلينا فقط دراسة الموثوق منها والإستفادة منها لحفز الهمة وتعديل المسار.

ما الذي تغير حتى نجلد ذاتنا بهذه الطريقة؟ لم نكن نسمع هذا الكلام قبل عشرين سنة. لماذا كان ما قمنا به عندئذ مناسبا واصبح غير مناسب الأن؟ لم تشتك، في تلك الأزمنة، أي جهة موظفة من مستوى خريجينا، بل مدحوا فينا وفي تعليمنا لدرجة أننا اعتقدنا أن جامعاتنا هي هارفارد؟ ، فما الذى جرى؟  هل أننا أدركنا أن ما تنتجه صناعة التعليم في بلدنا غير مناسب لمتطلباتنا ومتطلبات السوق التي تغيرت رأسا على عقب، فأخذتنا الحسرة ؟

حقيقة الأمر أننا لم ندرك أن الزمان غير الزمان، وأن ماكان ينفع في الستينيات من القرن الماضي لا ينفع الأن. وبالتالي كان علينا أن ندرك أن جميع الأدوات التعليمية، المستهلكة، الموروثة، والتي عفا عليها الزمان، وأؤلئك المتشبثين بها أمر لابد أن نتجاوزه وأن نطرحة ورائنا. كان هذا يقتضي منا التغاضي عن كثير من العواطف والأحاسيس فمصلحة الوطن والأجيال أهم من ألأشخاص.

لم نستفد من الدراسات المتعاقبة، ولم نطبقها وأخذتنا العزة بالإثم ولم نتطور أو نطور اساليبنا ، فبقينا كما نحن وتخلفنا خلف الركب. كل ما نخرجه من استراتيجيات للتعليم العالي موجود منذ الثمانينات وهو اجترار لما كتب، ياليتنا طبقنا بعضا منها، إنما الأمر كان يحتاج لمصلحين، فالإصلاح دون مصلحين لن يحدث، وكنا نحتاج أموالا، فالرؤى دون اموال تدعمها ليست الا مجرد هلوسات.

تحدثت سابقا وفي مرات عديدة عن نوعية الطلبة، وعن الأساتذة، وعن التمويل وعن طرائق التدريس. لماذا يبدو الكلام مألوفا لكم؟ وهل لو صعد أي منكم للحديث فيها سيختلف عما قلته أو سأقوله؟ الجواب كلا.  إن مشاكل التعليم العالي معروفة ومشخصة وتحتاج لمن يطبق الحلول المقرحة.

غير أني لن اترك فرصة، كفرصة الحديث أمام هذه النخبة، دون أن أضيف أبعادا لها تأثير كبير على العملية التعليمية.

كيف نريد أن يجري بحث علمي في الجامعات الأردنية أن كان الطلبة لا يعرفون ماهو البحث وماهي اساليبه، فهم لم يدرسوها سابقا في مدارسهم، ولا الأن في جامعاتهم. اضيف بأن الكثيرين من الأساتذة لايعرفونها كذلك، فبعد أن حصل على الدكتوراة لم يكتب بحثا واحدا،كيف نطلب منه استثارة البحث لدى طلبته إن كان هو لا يعرفه. لابل استغرب بقاؤه في الجامعة مع أن قانونها ينص على انهاء خدماته.

 قلت مرات كثيرة أنه قد دخل للجامعات الأردنية أعضاء هيئة تدريس ما كانوا ليدخلوها، فقد اساؤا للجامعة ولطلابها ونفسوا عن عقدهم فيها، وكان لهم تأثير سيء عليها وعلى طلبتها. إن شروط ومعايير التعيين يجب عدم التهاون فيها، والتزام اعضاء هيئة التدريس بالعرف الجامعي ومتطلبات الجامعة، أمر يجب تطبيقه حرفيا، فمقولة "أنشر أو مت" ليست للإستهلاك أو للإستشهاد فقط. أما أن تبقى الجامعات كدار ابي سفيان من دخلها فهو آمن، فهو أمر ينذر بكارثة، ويجب على المسؤولين في الجامعة عدم الخضوع للضغوط بإبقاء من لا يستحق فيها، إن السعر الذي ندفعه إن وافقنا هو قبولنا بالمركز الأخير. إن الذي عين في الجامعة دون أن يستحق، سيعمل جاهدا على أن يترقى دون أن يستحق، وعلى أن يتبوأ مناصبها دون أن يستحق.

تألمت كثيرا عندما جاءت شابة خريجة من بكالوريوس كلية الصيدلة لتعلمني انها تعينت في شركة دوائية كمروجة براتب 1055 دينارا وهو الراتب المتعارف عليه، إذ قفز لذهني راتب الأستاذ المساعد والأستاذ المشارك في جامعاتنا، وطغى علي تفكير ساحق بضرورة التغاضي إذن عن إعطائه للدروس الخصوصية لزيادة دخله، أو افتتاحه لمشروع تجاري، أو حتى لقبوله هدية من طالب. هل يعقل أن رواتب اعضاء هيئة التدريس تبقى كما هي؟ أعرف بعض معلمي المدارس من يتقاضون رواتب أكثر من رواتب أعضاء الهيئة التدريسية. كيف تكون الروح المعنوية لإستاذ الجامعة عندما ينظر لدخله؟ هل سيعطي كل مالديه؟ وعلى الرغم من هذا التدني، وعلى الرغم من معرفة المسؤولين بحالة التذمر، ياتي من يأتي بالقول بإلغاء الأعفاء الضريبي (50%) على الموظفين الحكوميين ومنهم العاملين في الجامعات. إن كان البعض مازال يقاوم إغراء الخروج للقطاع الخاص، فإن قرارا كهذا سيدفعه حتما للمغادرة. وسيزداد انخفاض نسبة أعضاء هيئة التدريس للطلبة؟ ماهو نوع المردود المتوقع في ظل انخفاض الروح المعنوية، وفي انخفاض الولاء للمؤسسة وفي ظل انخفاض عدد اعضاء هيئة التدريس؟.

لقد فهمت لماذا كان رئيس جامعة العلوم والتكنولوجيا يرفض قبول أبحاث منشورة في مجلات عربية للترقية، وإصراره على أن يكون وعاء النشر مقروءا للجميع ومفهرسا ومتضمنا في قواعد بيانات المؤشرات والإستشهادات. فما لايمكن قراءته هو غير موجود، وما فائدة ابحاث لاتقرأ؟.

لقد كان من أهم اسباب تدني البحث العلمي وعدم ظهور بحث مرموق هو التكاثر السرطاني لمجلات الجامعات العربية والأردنية. كانت الجامعة تصدر مجلتها مباشرة مع قيامها، وللرغبة في ديمومتها وصدورها بانتظام، تم التساهل في شروط النشر ونشرت ابحاث تصلح للصحف اليومية تمت ترقية اعضاء هيئة التدريس عليها وأتحدي إن تم الأستشهاد بأي منها في مقال علمي لأخرين. أني اعتقد أن ما أهم وأنجع القرارات التي اتخذها مجلس التعليم العالي، على قلتها، هو الغاء هذه المجلات واصدار المجلات المتخصصة بتعاون جميع الجامعات.

إن الرسائل الجامعية على صورتها الحالية مضيعة للوقت والمال، ويجب أن يتم تحديد المواضيع بما يتناسب مع الحاجة الوطنية. كفانا تعبئة استبيانات في كليات التربية، وكفانا تحقيقا لكتب حققت ألف مرة. ودعونا نعترف بأن فاقد الشيء لا يعطيه، فلنتوقف عن السماح لأعضاء هيئة التدريس بالإشراف خارج تخصصهم، ولنمنعهم من الإشراف أن كانوا لم ينشروا هم أبحاثا في أخر سنتين.  كيف يمكن لأستاذ أن يشرف عل 10 رسائل جامعية حتى لو كان طرزانا؟

لنجبر اعضاء هيئة التدريس على قراءة الرسائل التي يشرفون عليها، لأنهم لو فعلوا فقد يكتشفوا أن هذه الرسائل قد أعدت في أحد دكاكين  شارع الجامعة. اسمحوا لي أن اسمي هذه الدكاكين ب دكاكين البحث السريع على نمط مطاعم الوجبات السريعة، وحيث أننا نسمي الوجبات السريعة ب "الجنك فود" دعوني اسمي هذا البحث ب" الجنك ريسرتش". الأول مضر للصحة والثاني مضر للعقل وموهم بالنجاح فهو خداع يجب معاقبة القائمين عليه.

يتحدث الكثيرون عن مجالس الأمناء ومجلس التعليم العالي وأيهما اصلح؟ كنت اعتقد ان بإمكاننا الإجابة فقد جربنا الاثنين تجربة ممتازة. ولكنني لا أعتقد بأن أحدا يمكنه الإجابة لأننا لم نفهم بعد ما هو دور مجلس أمناء الجامعة في العالم المتحضر، الذي وبالصدفة المحضة لا يوجد فيه مجالس للتعليم العالي، أو وزارات للتعليم العالي. يطلب أحد الأكاديميين اليوم أن يكون مجلس الأمناء من أعضاء هيئة التدريس الأساتذة. ألا يكفيهم مجلس العمداء والجامعة؟   دعونا نحسن نوعية أعضاء المجلس فدوره هو في رسم السياسات وتوجيه الجامعة وهو وجهها أمام المجتمع وهو الحامي لها والساعي لرفعتها. ولنوقف تدخل وزارة التعليم العالي ومجلسها الموقر في أمر الجامعات، فلتتنافس الجامعات فيمابينها، ولتختلف الرسوم والمناهج ولتختلف مزايا الموظفين والأساتذة. أن التمايز يؤدي للمنافسة، والمنافسة تؤدي للتفوق،  فلماذا يجب أن تكون المناهج واحدة والرواتب واحدة والرسوم واحدة. لماذا يعتبر قانون التعليم العالي الجامعات وحدة واحدة بحيث يمكن لأعضاء هيئة التدريس الانتقال بينها؟ هل أصبحوا موظفين في مؤسسة واحدة؟ إن كان الأمر كذلك  فدعونا إذن نلغي الأسماء، فهي جامعة واحدة لها فروع كثيرة هنا وهناك. فهي الجامعة الأردنية وفروعها في عمان الكرك وفي اربد وفي العقبة.

اللذين يقولون بأن الجامعات تحتضر، يقولون ذلك من باب الإحباط، فهم يلحظون عدم الاهتمام على الرغم من التنبيه، وهم يلحظون حركة في دوائر مغلقة لن تؤدي لنتيجة، وهم يلحظون إعادة اختراع لعجلات، ويلحظون إيهاما بالحركة. أما اولئك اللذين هللوا عند سماع التعبير ، فهم من المعجبين بالإثارة وبالأعراس يرقصوا فيها. نعم الإحتضار مثير فهو حدث هام ولايحصل للشخص أو الكائن الا مرة واحدة‘ أما المرض فهو أمر عادي قد يتكرر مع نفس الشخص, وهو يأتي ويذهب دون مراسم أو طقوس، وعليه فلا يثير اهتمام الأخرين. لقد تحدث الكثيرون عن أمراض الجامعات ولم يعرهم احد اهتماما. لابل فقد نعتوا بانهم اكاديميين يعرفون في النظريات ولايعرفون الحياة، وكأنما الأكاديمية تهمة.

محبطون نعم ولكنهم غير يائسين، فالمبالغة فن من فنون اللغة، الم يطلق العرب الأسماء على أضدادها؟  لازال الأمل في شفاء المريض موجودا، فالتشخيص معروف والدواء موجود، نحتاج فقط للمصلح الذي يعلق الجرس، ونتركه لا نتدخل في أعماله ونعطيه الفرصة. إن استثمارنا في التعليم كبير، وقد يكون هو رأسمالنا الوحيد، وأرجو أن لا يسمح لأحد بإضاعته. 
دة � � � � P�� � �ل التي لا تملك إمكانات التدريب. عندئذ وعندئذ فقط يمكن قياس مخرجات هذا البرنامج العربي الموحد لبرامج الإقامة من خلال امتحان عربي يعطى شهادة البورد العربي الواحدة المدعومة من كل الدول. �W � P�� � عمله لتلافي ذلك قبل أن تقع الكارثة؟

تعاني بعض القطاعات الصحية الأردنية من نقص حاد في الكوادر الطبية المؤهلة تأهيلا عاليا، وهذا أوضح ما يكون في مستشفيات وزارة الصحة نظرا لاستنكاف الكثيرين نظرا لتدني الرواتب. إن الكثيرين من الملتحقين ببرامج الإقامة يرفضون التقدم لامتحان المجلس الطبي الأردني لعلمهم بعدم قدرتهم على اجتيازها، ويفضل هذا البعض البقاء موظفا تحت مسمى المقيم المؤهل. أن محاولة حل المشكلة بزيادة عدد الملتحقين ببرامج الإقامة عن طريق تخفيض معدل القبول فيها قد يؤدي لإلحاق أعداد اكبر ولكن من أي مستوى؟  هل الهدف تعبئة الشواغر أم رفع مستوى الخدمة الطبية؟ ولابد أن تعاني كليات الطب الجديدة - والتي ستقوم -  من نقص في الأساتذة ستحاول حله مؤقتا على حساب الكليات القائمة، فمن أين ستتدبر هذه الكوادر؟

توجد في الأردن برامج إقامة لتخريج المختصين في الحقول الطبية التخصصية المختلفة بعضها عمره 20 سنة وبعضها غض. هناك برامج في المستشفيات الجامعية والحكومية والخاصة والعسكرية. بعضها مبرمج وبعضها غير مبرمج. بعضها أكاديمي وبعضها مهني. بعض الأطباء يتدرب في مستشفيات مؤهلة وبعضهم في مستشفيات ابعد ما تكون عن القدرة. بعضهم يشرف عليه اختصاصيون أكفاء والبعض الأخر يمكن القول بأن الفرق العلمي بين المعلم والمتعلم قليل. بعض البرامج أجيز من قبل المجلس الطبي بعد التأكد من أهليتها والتزامها بالمعايير،  وبعضها أجيز أو رفض لاعتبارات أخرى.

من هنا تأتي دعوتي. أن كنا قد أغلقت علينا الأبواب فلنفتح لإنفسنا بابا، وإن كانت قد سدت علينا المنافذ فلنحفر لنفسنا منفذا. لابد أن نتدبر الحل الآن، ولقد أثبتنا في هذا البلد قدرتنا على التخطيط والتدريب وعلى إيجاد الحلول للمشاكل قبل وقوعها. أن ماهو موضع حديثنا اليوم أمر بالغ الأهمية وقد استثمرنا فيه استثمارا كبيرا وعلينا عدم التفريط به.

لابد من توحيد كل هذه الجهود في برنامج وطني واحد للتدريب الطبي يتشارك الجميع فيه ويعملون على نجاحه،  برنامج لا يلتحق به إلا الأكفاء وتساهم كل القطاعات الطبية في إنجاحه دون أن يكون ملكا لأحد، يتدرب من خلاله المتدربون في كل المؤسسات الطبية الأردنية، تلك المؤسسات التي يجب أن تخضع لمعايير جدية للاعتماد دون مراعاة أو هوادة، ويشارك بالتعليم والتدريب فيه الأكفاء من المختصين دون حسد أو مجاملة. عندئذ نستطيع أن نعمل على تأهيل وإنتاج الإختصاصي ذي المستوى المتقدم والذي سيشهد بتميزه. وسيعمل المجلس الطبي الأردني على تقييم هؤلاء جميعا، ولا نعود لنفكر إلى أين نذهب للاختصاص ولا نضع أبناءنا في ظروف صعبة وحرجة ومحبطة.

يبقى أن نقول أن التعرض للخبرة الأجنبية أمر مطلوب وضروري وهو موضوع سهل التدبير من خلال الزمالات (fellowships)والتي لا يزال بابها مفتوحا أو على الأقل مواربا، ويمكن أن تتم عن طريق الاتصالات الشخصية والمؤسسية.

أنني أدعو أصحاب القرار القائمين على نهضة هذا الوطن لتشكيل لجنة وطنية لبحث الموضوع، لجنة موضوعية ممثلة للقطاعات ذات العلاقة، تضع الأسس والمبادئ لإنشاء هيئة أو مجلس وطني لبرامج الإقامة يعنى بهذا الأمر ويعمل على توفير الظروف العملية والتطبيقية لإنجاحه.   وآمل أن يتمكن الغيورون من اتخاذ فعل لوضع الخطط لدرء الأخطار بدل ردود الفعل العشوائية والآنية. 

No comments:

Featured Post

PINK ROSE