ما انفكوا وما طفقوا وما زالوا يحاولون ولكن هيهات

ما انفك وزراء التعليم العالي المتعاقبون - الا بعضهم - وما انفكت مجالس التعليم العالي المتعاقبة - الا بعضها - يحاولون تغيير اسس القبول الجامعي بحجة الحداثة والتطوير ومواءمة مخرجات التعليم العالي لمتطلبات سوق العمل. اخر هذه المحاولات كتاب معالي وزير التعليم العالي الموجه لرؤساء الجامعات الحكومية لدراسة ما ناقشه مجلس التعليم العالي في جلسته رقم (31  بتاريخ 2020/11/23   المتعلق بمقترحات ثلاث للمبادئ العامة الجديدة لقبول الطلبة في الجامعات الأردنية "حيث يهدف المجلس للوصول إلى المُقتَرَح الذي يحقق الهدف المنشود وهو توفير فرص قبول عادلة لجميع الطلبة بناءً على الجدارة والقدرات والرغبة". 

 

          الكتاب مرفق به تفاصيل المُقتَرَح الذي يطلب فيه معاليه "دراستها وإبداء الرأي حولها، وتقديم أي مقترحات أخرى ترونها مناسبة، كما يمكنكم الاستعانة بآراء أعضاء هيئة التدريس من ذوي الخبرة والاختصاص في جامعاتكم على أن يصلنا ردكم في موعد أقصاه أسبوعين من تاريخه".  والهدف غير المعلن إضفاء صبغة النقاش الوطني والشرعية على المُقتَرَح ليصبح قرارا نافذا.

 

          يتضمن المشروع ثلاثة مقترحات، المُقتَرَح الاول يتعلق بالتعليم الثانوي وإقرار امتحان في نهاية الصف العاشر، والمُقترَحان الثاني والثالث لهما علاقة بالقبول الجامعي.

 

          الغريب في الأمر أن المُقتَرَح الأول هو من اختصاص مجلس التربية ولا علاقة لمجلس التعليم العالي به من قريب أو بعيد، ولست أدري ما الذي دفع بالمجلس الأخير للتدخل في أمر ليس من صلب اختصاصه، وعلى العموم فإن بحث الأمرين معا على الرغم من الشبهة القانونية يوحي بأن الأمر حكومي وليس وزاريا.

 

          عند بحث التفاصيل، فإن المُقتَرَح الأول يبين أن الوضع الحالي القائم يقتضي توزيع الطلبة في نهاية المرحلة الأساسية (الصف العاشر) على مساري التعليم الثانوي الشامل الأكاديمي والمهني بحسب المعدل الذي حققه الطالب في الصفوف الثامن والتاسع والعاشر مجتمعة بحيث يكون للصف الثامن والتاسع 40%   من الوزن لكل منهما ويكون للصف العاشر 20% من وزن العلامة النهائية. 

 

          فمن حقق ما دون الخمسين ذهب لمعاهد مؤسسة التدريب المهني، وأما الذين يحققون ما فوق الخمسين فيوزعون على الفروع العلمية والأدبية والمهنية لمرحلة التعليم الثانوي، ويكون التوزيع بناء على معدل الطالب والأعداد المقررة للقبول على مستوى مديريات التربية وعلى رغبة الطالب. 

 

          أما بالنسبة للطلبة الذين سيلتحقون بالفرع العلمي فسيوزعون على حقول الثانوية العامة (الطبي والهندسي والعلوم البحتة) بناءً على المواد التي درسها الطالب قبل إتمامه الثانوية العامة وبدون أي محددات أخرى. 

 

          ثم يبين المُقتَرَح أن من التحقوا بالحقل الطبي عام 2020 كانوا كل طلبة الفرع العلمي ماعدا   400 طالب التحقوا بالفرعين الهندسي والعلوم البحتة. وهنا يذكر المُقتَرَح - بطريقة غير مباشرة - بيت القصيد من التغيير فيقول "مما يعني أن المجال مفتوح أمام جميع الطلبة للإلتحاق في الحقل الطبي مثلا). ولهذا اعتبر المجلس أن هناك عدم توازن في الإلتحاق بالفروع وقرر اقتراح آلية "محددة تضمن توزيع الطلبة في نهاية الصف العاشر على الفروع والحقول بشكل يحقق الفائدة المرجوة"، وهذه الآلية هي عقد امتحان في نهاية الصف العاشر.

 

          هنا يحدث خلل في المُقتَرَح فمرة يقول أن الطلبة سيوزعون بناء على رغباتهم ومعدلاتهم في الفروع والحقول المحددة الأعداد سلفا، ومرة أخرى يقول أن الطلبة سيوزعون بناء على علاماتهم في مواد محددة مع تحديد نسب معينة لكل حقل أو فرع.

 

          إلى هنا ينتهي مُقتَرَح التعليم الثانوي الذي ناقشه مجلس التعليم العالي على الرغم من عدم اختصاصه، ثم ينتقل المجلس لمقترحين آخرين، ولكن في هذه المرة من صلب اختصاصه، وهما يتعلقان بأسس القبول الجامعي.

 

          المُقتَرَح الثاني يقضي بعقد امتحان قبول يقيس الاستعدادات الأكاديمية للطلبة، وهنا وخلافا لمُقتَرَح سابق جوبه برفض شديد، يقول المُقتَرَح الجديد بأن الامتحان سوف يكون تحت إشراف جهة مركزية قد تكون وزارة التعليم العالي أو هيئة الاعتماد أو المركز الوطني للمناهج ( الذي لم أجد في نظامه أي صلاحية له خارج نطاق التعليم العام)، وذلك لضمان مصداقية وشفافية هذا الامتحان. ويكون القبول بناء على معدل مئوي للامتحان فيه نسبة وللثانوية العامة نسبة، ولم تحدد أيا من النسب.

 

          كنت قد كتبت ضد مُقتَرَح كهذا مرارا، وتساءلت عمن سيضع الامتحان وماهي قدراته؟ وبأي لغة سيعقد؟ وهل هو محلي الصنع أم مشترىً من الخارج. ونوهت بتجارب الامتحانات العامة التي عقدتها الوزارة والهيئة، والتي لم أر من قال فيها خيرا.

 

          هذا المُقتَرَح قديم جديد، ستزداد نسبة امتحان القبول فيه تدريجيا وتقل نسبة الثانوية العامة تدريجيا إلى أن يصبح وزنها صفرا، وكتبت ذات يوم عن مسمار أخير يدق في نعشها، على الرغم من أن الأردنيين يحبونها رغم انتقادهم لها، لأنها عادلة وشفافة وتساوي بين الغني والفقير، وما زالت محتفظة بنقائها.

 

نأتي للمُقتَرَح الثالث وهو ثالثة الأثافي، وهو إعادة إحياء للسنة التحضيرية، فهنا يقبل الطلبة على أساس امتحان الثانوية العامة، ولكنهم يقبلون زرافات في حقول معينة طبية وهندسية وإنسانية اجتماعية وإدارية وغيرها، يدرسون فيها مع بعضهم في كل حقل، ثم وفي نهاية السنة الأولى تأتي الجامعة لتعقد امتحانا هي من أقرته ليتم على أساسه توزيع الطلبة على الكليات المختلفة المكونة لكل حقل. ولم يتطرق المُقتَرَح للبحث في المشاكل التي قابلت الجامعات عندما كانت هناك سنة تحضيرية للطب ولطب الأسنان. ولم يقل المُقتَرَح ما الذي سيحدث لمن يرسب في امتحان الجامعة وأين يذهب؟

 

لقد قاومت هذا التوجه قبل أن أتسلم وزارة التعليم العالي في المرة الأخيرة، وألغيته بعد تسلمي لها مباشرة، لأنه غير عادل ويميز بين الطلبة من ناحية خلفياتهم الدراسية لمصلحة من درسوا في المدارس الخاصة وباللغة الإنجليزية ومن تعلموا التفكير الناقد والتحليلي ضمن مناهج مدارسهم الخاصة. وما زلت أقول يجب أن يكون المستوى التعليمي في المدارس متقاربا ولا أقول متساويا، حتى تخضعهم لامتحان في صيغة لم يعتادوها ولغة لم يألفوها، ويقيس مهارات لم تدرس لهم سابقا.

 

وعليه أقف ضد مقترحات مجلس التعليم العالي كلها، ليس وكما سيقال، لأن لا يد لي فيها، ولكن لأنني عارضتها منذ زمن لأنها لا تحقق العدالة والمساوة بين المواطنين الأردنيين. 

 

No comments:

Featured Post

PINK ROSE