إذ بلغ الفطام لنا رضيع ... تخر له الجبابر ساجدينا

لي صديق له زوجة فاضلة، عاشا معا ٣٠ عاما من الزواج الرائع فانصهرا وأصبحا شخصا واحدا. عندما يريد أن يتكلم تسبقه وتقول ما كان يود النطق به. تعرف ما في داخل دماغه قبل أن يفكر فيه. ونفس الشيء ينطبق عليه هو، فهو يعرف ما ستطبخ لغدائه من النظر لعينيها وحركتها، فالمنسف له حركات معينه، والمجدرة كذلك، وعدم وجود غداء له نظرات مختلفة.
من كثرة إستماعها له، أصبحت خبيرة بعمله، فهو طبيب عام، أصبحت تعرف ما هو الهستامين ومضاداته، والقرحة وأعراضها، والنزلة المعوية ونتائجها. ولكثرة إستماعها له وهو يحدث مرضاه أصبحت طبيبة دون أن تدري ودون الإلتحاق بكلية طب. أقصد أنها لو تقدمت لفحص عام فقد تنجح فيه لخبرتها العملية.
تستطيع هذه السيدة الفاضلة أن تقول لك لماذا يجب أن يؤخذ مدر البول في حالة الإصابة بإزتفاع الضغط الشرياني، وتزيد بأن تقول لك أن حبة الدواء هذه لا يجوز أن يتم تناولها في الليل والا قضى الشخص ليله مستيقظا. تستطيع هذه السيدة أن تخبرك بالأطعمة الواجب تجنبها إن كنت تعاني من القولون المتشنج، و أن عليك ترك التدخين والقهوة معا.
تنصح السيدة الفاضلة صديقاتها عند الإلتقاء صباحا لشرب فنجان القهوة بما هي أحسن الممارسات الطبية لعلاج كذا وكذا، فأدوية تخفيف الدهنيات تسبب وهن العضلات، والجلوس في الشمس لن ينتج فيتامين د إن لم يكن لديك في جسمك المواد اللازمة لذلك.
نتحدث نحن معشر الأطباء في صنعتنا أمام كل الناس ونتباهى بها لدرجة أننا كشفنا أسرارها. فأصبح الكل يفتي فيها. الكل أصبح طبيبا ومعالجا، وأنت تجلس في المجالس تستمع للفتاوي ولا يعيروك إهتماما مع علمهم أنك طبيب، وقد يتأدب أحدهم بعد أن يدلي بدلوه ويأتي على سيرة مالك وكيف أنه لا يجوز الفتوى وهو موجود. أصبح الكل بروفيسورا مع أن أيا منهم لم يقترب من طالب إلا عندما زامله في كلية للطب. ولم يدخل جامعة بعد تخرجه منها أو من غيرها.
أصبح البعض نجما على شاشات التلفزيون يشرح "للعامة" كل شيء، يريهم كيف يعمل المنظار ويشرح لهم عن الأنابيب، والقنوات، وكيفية الربط والحل. ويقول لهم أن حصى المرارة أنواعا كثيرة منها ما هو ناتج عن زيادة كذا، وماهو ناتج عن تكسر كذا، يحدثهم بأمور لا ضرورة لأن يعرفوها. يكفي أن يعرفوا أن وجود الحصى في المرارة أمر مضر ويجب علاجه.
نعود للسيدة الفاضلة، فهي ليست طبيبة ولا يجوز أن تفتي في الطب، ولغير الأستاذ فهو ليس بروفيسورا ولا يجوز له أن يدعي بذلك، ويجب علينا أن نقول لها وله أن ما يفعلاه خطأ. لا أعتقد أننا سننجح، فقد كسرت الجرة منذ دهر ولا يمكن إصلاحها، سيرفضان دعواتنا لأنهم منا، ونحن أناس تعودنا التدخل في شؤون الغير، والإفتاء فيما لا نعرف، والإدعاء بما ليس فينا، فهي طباع لن نستطيع التخلي عنها

No comments:

Featured Post

PINK ROSE