العودة لدور المعلمين هي السبيل لوقف التدهور في التعليم العام


جاء في حولية "الثقافة العربية/ جامعة الدول العربية/ ساطع الحصري - 1949/1948"، أنه لم يكن في الأردن في العام الدراسي 1923/1922 من القرن الماضي، غير 44 مدرسة حكومية (أميرية)، 38 منها للذكور، و6 للإناث، فيها 69 معلما، و12 معلمة يعملون على تدريس 2998 طالبا و318 طالبة.
وقد ارتفعت هذه الأرقام لتبلغ 81 مدرسة في العام الدراسي 1948/1947، منها 11 للإناث، فيها 233 معلما ومعلمة، و12120 طالبا وطالبة. أما المدارس الخصوصية والأهلية، فكان عددها 111 مدرسة، منها 22 للبنات، و18 مختلطة، فيها 4273 طالبا، و2929 طالبة، يعلمهم 170 معلما و104 معلمات.
في العام 1923 كان لدينا 3 مدارس ثانوية، هي السلط وإربد والكرك، وكانت مدرسة السلط هي المدرسة الثانوية الوحيدة الكاملة. ولقد بلغ عدد المدارس الثانوية في المملكة العام 1947 (5) مدارس، عدد معلميها (25)، وطلابها (446)، وقد تقدم لفحص شهادة الدراسة الثانوية الأردنية، في شهر حزيران "يونيو" 1947 ما مجموعه 64 طالبا، نجح منهم 46. كان هناك في العام 1947 مدرسة للصناعة، فيها (8) معلمين، و(87) طالبا، في حين وجد في العام 1951 صف واحد لتأهيل المعلمين، في كلية الحسين، سمي بـ"صف المعلمين"، وكانت مدة الدراسة فيه عاما واحدا، ولم يخرج الا فوجين اثنين، وكان قد أنشىء سندا لنظام المعارف رقم (803) لسنة 1939.
تم افتتاح دار المعلمين في عمان العام 1952/53، وافتتحت في نفس السنة دار للمعلمات في رام الله، وافتتحت على التوالي دور للمعلمين في بيت حنينا وحوارة والعروب، في أعوام 1953، 1956 و1958. وأعتقد أن داري المعلمين في عمان وبيت حنينا، ودار المعلمات في رام الله، أنشئت سندا لقانون المعارف الفلسطيني للعام 1933، حيث أن قانون المعارف العام الأردني (والذي أنشئت بموجبه دور المعلمين الأخرى)، لم ينشر في الجريدة الرسمية، إلاّ في العام 1955.
كانت المادة السابعة من قانون المعارف العام، رقم (20) لعام 1955، قد نصت على أن دور المعلمين هي نوع من المدارس، وأناطت أمرها بوزارة المعارف.
كان للجامعة الاردنية، عندما افتتحت في بداية الستينيات، الدور الأكبر في توفير التعليم الجامعي لمئات الأردنيين، الذين كانوا يقصدون مشارق الارض ومغاربها طلبا للعلم.
لقد اعتقد القائمون على التعليم في الاْردن، في ذلك الحين، ان الحاجة لوجود دور المعلمين قد انتفت فأغلقوها، واعتقدوا ان الجامعة، ولاحقا الجامعات، ستأخذ الدور الذي قامت به على اكمل وجه، في تخريج أفواج من المعلمين والمعلمات الاكفياء. كم كانوا مخطئين في تفكيرهم هذا.
لقد اعتمد التعليم العام على التسارع، الذي كان قد اكتسبه على أيدي النخب التعليمية، التي تخرجت من دور المعلمين. وحين بدأ هؤلاء في التناقص الطبيعي، حل محلهم خريجو الجامعات، الذين لم يتخرجوا أساسا ليكونوا معلمين، بل متخصصين في فروع العلم المختلفة.
كان القائمون على التعليم يعتقدون، مخطئين، ان خريجي الجامعات بامكانهم القيام بعملية التدريس، بصورة كفؤة، إن تم تعريضهم لدورة مكثفة، في أمور وأساليب التدريس، قبل اقحامهم في الصفوف.
لقد أدى قيام هؤلاء بعملية التدريس بصورة تامة الى المأساة، التي نعيشها الآن، في التعليم العام. لقد ادرك القائمون على التعليم المشكلة، التي وقعوا فيها، فحاولوا تأهيل هؤلاء المعلمين بدبلومات تأهيل، أعطتها كليات تربية، تكاثرت كالفيروسات، واعطت انطباعا خاطئا، بأننا نسير في الطريق الصحيح. غير أن الدلائل والمؤشرات كانت تقول عكس ذلك، حتى عندما اجترحنا ما عرف بمعلم الصف ومعلم المجال، وعدنا عنها لاحقا، لا بل منعنا حامل الدبلوم من التعيين في وزارة التربية والتعليم، والذي كنا نعتقد أنه المنقذ.
لقد استبدل النظام التربوي معلمين اكفياء، خرجتهم دور المعلمين، لهدف واحد، وضمن نهج وخطة معروفتين، بمعلّمين لم يكن هدفهم عند الالتحاق بالجامعة، ان يصبحوا معلمين، ثم وعندما اكتشفنا عدم اهليتهم، حاولنا الإصلاح ففاقمنا المشكلة. لقد بدأ التدهور في التعليم العام منذ ذلك الحين، وما زال، ولن يتوقف الا بتغيير المسار.
عندما يتم اقتراح ان تقوم كليات التربية بدراسة مشاكل التعليم العام، او تدني نسب النجاح في الثانوية العامة، أقول ان لا فائدة من هذا، فكليات التربية جزء من المشكلة. وعندما يقترح مؤتمر للتطوير التربوي تأهيل المعلمين، فهذا يعني أننا لم ندرك لغاية الآن أن هذا لن يجدي.
لن يكون حل معضلة توفر المعلمين الأكفياء الا بالعودة لإنشاء دور المعلمين والمعلمات، التي لا هدف لها غير تخريج المعلمين. ومن نافلة القول ان هذه الدور يجب ان لا تتبع لأي جامعة، وإلا انتقلت أمراض الجامعات اليها. ولا نريدها تابعة لوزارة التربية والتعليم، فلا قدرة لها. نريدها كليات نقية، لا يشوبها ما علق بالجامعات من أمراض. ويكفينا اثنتان من هذه الدور، واحدة للمعلمين واُخرى للمعلمات.
من الضروري ان يتم تعديل نظام الخدمة المدنية، ليتم إعطاء هذا النوع من المعلمين، مردودا ماليا يفوق ما يتلقاه حامل البكالوريوس. ويجب ان تكون اولوية التعيين لهم. اما حامل البكالوريوس في الفيزياء، فليعمل في حقل الفيزياء في المؤسسات التي تتعاطى ذلك، وهذا ينطبق على بقية الحقول.
اما كليات التربية، والتي أقمنا الدنيا ولم نقعدها عندما انشأناها، فلنعترف بأنها فشلت في تحقيق أهدافها، ولنكن على قدر من الجرأة لإغلاق بعضها، والإبقاء على بعض أقسام التربية الخاصة، والإدارة المدرسية والقياس والتقويم فيها، وعلى مستوى الدراسات العليا فقط.
نريد قرارا مسؤولا، يعترف بالخطأ، ثم يعود عنه، ويعيد لنا دور المعلمين والمعلمات، فلا صلاح للعملية التعليمية الا بمعلّمين التحقوا راغبين بهذه المهنة، وقام على تأهيلهم من يؤمن برسالة المعلم ودار المعلم.

No comments:

Featured Post

PINK ROSE