الأكاديمية الأردنية العليا للتعليم التقني

الأكاديمية الأردنية العليا  للتعليم التقني:
المشروع الذي لم يكتمل

هذا سرد تاريخي مبتسر لبعض ما جرى في هذا الموضوع، وجزئيات من المبررات التي سيقت لإقتراحه، وكيف سار الأمر وكيف توقف، والهدف من هذا السرد هو التوثيق دوما والتذكير أحيانا، لأن ذاكرة الناس قصيرة والمدعون كثر.

تاريخيا قدمت كليات المجتمع  برامج من سنتين لثلاث سنوات، واشترط للحصول على دبلومها النجاح في امتحان عام شامل (قرر لاحقا)، عارضه كثيرون، ثم اعتقدوا بضرورته، واستخدم فيمابعد للسماح لبعض الناجحين فيه بالتجسير الى برامج بكالوريوس في نفس الحقل ولكن في الجامعات.

حققت كليات المجتمع (الكليات الجامعية المتوسطة لاحقا)  العامة والخاصة نجاحات كبرى وأقبل الطلبة عليها غيرانه وبعد أن سمحت الحكومة في بداية التسعينات من القرن الماضي بإنشاء الجامعات الخاصة تأثرت الكليات الجامعية المتوسطة بشكل ملحوظ من حيث أعداد الطلبة المتوجهين إليها اللذين أغرتهم الشهادة الأكاديمية والراتب لأحسن.

قامت الحكومة عام 2005 وبالتعاون مع منظمات دولية بإعداد دراسة حول إعادة هيكلة وتنظيم كليات المجتمع في الأردن، أعدتها لجنة بتكليف من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لتقييم التعليم في هذه الكليات حيث بينت الدراسة ضعف مواءمة البرامج المطروحة ومخرجاتها لسوق العمل و للتقدم التقني، وبينت الدراسة كذلك أن كليات المجتمع كانت في واد والمدارس في واد آخر ولا تنسيق بينها، وأن القائمين على التدريس ينقصهم التأهيل ويعيشون عدم رضى وظيفي كبير.

بعد هذه الدراسات المستفيضة توصلت الحكومة إلى ضرورة تغيير الهيكل التنظيمي  لكليات المجتمع وباشرت جامعة البلقاء التطبيقية عملها (صدر قانونها عام 1997)، حيث انتقل الإشراف على كليات المجتمع من وزارة التعليم العالي إليها   بهدف تحديث وتنسيق برامجها ومتابعة عملها إداريا وأكاديمياً وتعزيز دور القطاعات الصناعية المختلفة في تطوير التخصصات التقنية. وتمت إناطة الإشراف على الإمتحان الشامل بهذه الجامعة الناشئة.

على الرغم من أهمية التعليم التقني، غير أننا لم نر له أثرا كبيرا في حياة الأردنيين أو في اقتصاديات بلادهم، وقد يكون السبب الرئيس في ذلك هو أن الجهة التي انيط بها تطوير هذا النوع من التعليم وهي جامعة البلقاء التطبيقية، لم تقم بذلك بل حادت عن الأمر وتركته لتركز على أمور لم تكن ضمن حقل إختصاصها، وأعني بذلك توجهها لبرامج على مستوى البكالوريوس والماجستير، لا بل تجاوزت هذا الأمر بأن حولت ما انيط بها من كليات متوسطة لكليات جامعية. غير أنه من المناسب القول أن الكثيرين من المواطنين غير مقتنعين بهذا النوع من التعليم، وبعضهم لايريد له الخير.

يبلغ عدد طلبة كليات المجتمع (22000) طالبا هذا العام، بعد أن كان حوالي (35000)  في عام 2002 وهذا يعود لأسباب عديدة أهمها ما يلي:
أولا:   القوة الجاذبة للجامعات الخاصة وتدني معدلات القبول فيها وإرتفاع راتب خريجها عن راتب خريج الكلية المتوسطة.
ثانيا: قيام جامعة البلقاء التطبيقية بتحويل معظم الكليات الجامعية المتوسطة إلى كليات جامعية تمنح درجة البكالوريوس (بالإضافة إلى الدبلوم المتوسط) وكذلك الدبلوم العالي والماجستير لأسباب قد يكون الحصول على إيرادات مالية إضافية أهمها ( وهو نفس السبب الذي دعى الجامعات الحكومية إلى إستباط البرامج الموازية وفي نفس الوقت تقريبا - 1197/1998 -  وذلك بعد البدء في تحويل ما يحصل باسم  الجامعات لخزينة الدولة بدل صندوق أمآناتها في البنك المركزي).
ثالثا:  وجود أخطاء هيكيلة في نظام الخدمة المدنية سمحت بالتفاوت الكبير بين رواتب حاملي الدبلوم وحاملي البكالوريوس، وهو تفاوت لم يكن يذكر في منتصف الستينيات من القرن الماضي. غير أن هذا التفاوت وبعد أن اصبح كبيرا وعندما تم حرمان حاملي شهادة الدبلوم المتوسط من تقلد مناصب إشرافية أو قيادية، وعندما سمح لاحقا بالتجسير للجامعات، لم يبق هناك أي قوة جذب تبقي الطلبة في هذه الكليات المتوسطة.
       
بينت وثيقة مشروع تطوير التعليم العالي نحو الإقتصاد المعرفي والتي كتبت بالتعاون مع البنك الدولي عام 2009، أن كليات المجتمع تعاني من مشاكل جمة منها، وكما ورد في لتقرير:
1)              التغير المستمر في قياداتها والجهات المشرفة عليها.
2)              غياب سياسة واضحة لتنفيذ الأهداف التي أنشئت من اجلها.
3)              ضعف الالتزام لبناء النظام المؤسسي المطلوب.
4)              ضعف قدرات المدرسين خاصة في المجالات العملية والمهنية.
5)              غياب آليات وأنظمة لمراقبة الأداء والمساءلة.
6)              ضعف الربط بين مخرجاتها وسوق العمل.

وعليه فقد أوصى التقرير بفصل الكليات الجامعية المتوسطة عن جامعة البلقاء التطبيقية وإنشاء إدارة مستقلة تشرف عليها وتضمن مواءمة وجوده برامجها لاحتياجات سوق العمل وتساهم في زيادة أعداد الطلبة المتوجهين للدراسة فيها.

 بادرت كرئيس لمجلس التعليم العالي في عام 2010  بعرض عدد من الأفكار عليه، وقد تبنى المجلس عددا منها  محاولة منه لعكس الإتجاه، والبدء في التحضير لتنفيذ مشروع لإدارة التعليم التقني بعيدا عن جامعة البلقاء التنطبيقية، ومنها:
1)     رفع الحد الادنى لمعدل الثانوية العامة للقبول في الجامعات الخاصة من 55% إلى 60% مع الإبقاء على الحدود الدنيا للتخصصات التي تزيد عن 60%.
2)     العودة عن قرار مجلس التعليم العالي بالسماح لجامعات مؤتة والحسين بن طلال والطفيلة التقنية وال البيت بقبول طلبة في البرنامج الموازي بمعدل 60% في الثانوية العامه ورفعه الى 65% كما في الجامعات الرسمية الأخرى.
3)     تشجيع الطلبة على الإلتحاق بكليات المجتمع عن طريق فتح باب التجسير بإلغاء شرط معدل الثانوية العامة مع إشتراط 68% كمعدل للإمتحان الشامل، ماعدا المجسرين للهندسة والطب البيطري والصيدلة فبقي عند 70%.
4)     تشجيع الطلبة على الإلتحاق بكليات المجتمع عن طريق معادلة مساقات درسوها في كليات المجتمع وبحد أقصى (45) ساعة معتمدة لدبلوم السنتين و (55) ساعة معتمدة لدبلوم الثلاث سنوات، والغي في نفس الوقت شرط السنوات السبع ىالمتعلق بالإمتحان الشامل.
5)     الطلب من جامعة البلقاء التطبيقية الحصول على موافقة مجلس التعليم العالي قبل استحداث برامج الدبلوم الجامعي المتوسط وإخضاع هذه البرامج لمعايير الاعتماد، وذلك استناداً إلى قانون التعليم العالي والبحث العملي لعام 2009 الذي تم إقرارة قبل ذلك بفترة قليلة.

كان لابد من فكر جديد ورؤية جديدة لتغيير الواقع المرير وكان ذلك يحتاج لإنشاء مؤسسة لإدارة أمر من هذا القبيل ووضع الواقع الجديد موضع التنفيذ، ومن هنا جاءت فكرة الأكاديمية العليا للتعليم التقني، وعليه:
‌أ)                  تم التنسيق مع فريق البنك الدولي ضمن مشروع تطوير التعليم العالي نحو الاقتصاد المعرفي ووكالة الإنماء الدولية الكندية (CIDA) لإجراء دراسات عاجلة وتقديم مقترحات بهذا الشأن، وعقدت إجتماعات كثيرة مع وفود زائرة من هذه الجهات.
‌ب)    تم القيام بزيارات للاطلاع على تجربة الكليات التقنية العليا في دولة الإمارات العربية المتحدة.
‌ج)     أقترح  مشروع قانون متكامل للأكاديمية الأردنية العليا للتعليم التقني ( القانون رقم 42 لسنة 2010)، تم السير فيه واصدره مجلس الوزراء كقانون مؤقت بعد دراسة مستفيضة.
‌د)      كان من الفترض إنشاء ثلاث كليات تقنية عليا تابعة للأكاديمية،  وأعلنت مؤسسة التنمية الدولية الكندية نيتها تقديم دعم مالي للمشروع. وقامت الحكومة برصد مبلغ 10 مليون دينار لهذا الغرض في الموازنة العامة، بحيث بادر دولة الرئيس في خطاب الثقة بالإعلان عن موقع هذه الكليات الثلاث في محافظات العاصمة وجرش والعقبة. وأعلن أن هذه الكليات هي البداية لأقامة كلية تقنية عليا  في مركز كل محافظة.
‌ه)      عقدت عدة إجتماعات مع المسؤولين في  ديوان الخدمة المدنية لتعديل سلم رواتب موظفي الفئة الثانية (الحاصلين على درجة الدبلوم المتوسط) بحيث تصبح الفروق بين رواتبهم ورواتب موظفي الفئة الأولى (الحاصلين على درجة البكالوريوس) قليلة، وقد شكلت لجنة وزارية لهذا الغرض وبالتعاون مع مجلس الخدمة المدنية وديوان الخدمة المدنية تم تقديم مقترح بهذا الشأن وافق عليه مجلس الوزراء.
‌و)     أصدرمجلس الوزراء قرارا بتشكيل مجلس أمناء يمثل كافة القطاعات العامة والخاصة ذات العلاقة، وحسب نص القانون المشار اليه أعلاه.
‌ز)     وضع القانون المؤقت أمام مجلس النواب في حينه، وقد تمت محاربته بشراسة غير معهودة، من قبل القوى التي تريد بقاء الوضع كما هو أو التي تعتقد بأن التعليم الجامعي الأكاديمي هو الأوجب. وأستعملت حجج كثيرة لإبطال المشروع واستدعيت مقولات محاربة الإستثمار وغيرها لوأد المشروع والذي قام مجلس وزراء لاحق بإعلان بطلانه ونشر ذلك في عدد الجريدة الرسمية رقم 5092.

No comments:

Featured Post

PINK ROSE