الشراكة بين سوق العمل ومؤسسات التعليم التقني

 بسم الله الرحمن الرحيم

      أود ابتداء أن أرحب بكم في الأردن وأثمن جهودكم الدؤوبة التي تعمل على وضع التعليم التقني في المكان الصحيح. وأن أتمنى لندوة "الشراكة بين سوق العمل ومؤسسات التعليم التقني" النجاح والتوفيق، ولاسيما أنها تجمع نخبة من الباحثين والدارسين والمعنيين بشؤون التعليم التقني في الوطن العربي، يناقشون علاقة هذا النوع من التعليم بسوق العمل والإنتاج والجودة في محاولة لزيادة اللُحمة بين مؤسسات التدريب وسوق العمل وللنظر في الأساليب التي تؤدي لتطوير نوعي في مجال التعليم التقني والتدريب المهني في الوطن العربي.
     
وأود هنا أن ابتعد قليلاً عن صف الجمل المعتادة، والتحدث عن البطالة ومتطلبات العصر والمواءمة بين مدخلات التعليم ومخرجاته، فهي أمور سمعتم عنها الكثير ولا داعي لإعادتها عليكم، والحديث فيها يعطي الانطباع بأن الأمور بخير وأننا نسير على الطريق الصحيح.
      ولذلك سأقتصر كلمتي المختصرة هذه بالحديث عن موضوع التعليم التقني بحد ذاته، وموقفنا تجاهه، ومدى تطابق أقوالنا مع أفعالنا.
      لقد أدركت الدول الصناعية الكبرى أهمية هذا التعليم في عمليات التنمية، وعملت على تقنينه وهيأت له كل سبل النجاح حتى وصلت به إلى ما هو عليه الآن. بل لقد صبت فيه من الأموال والإمكانات ووفرت له من المدرسين والمعلمين الأكفاء، مما أوصل بعض المؤسسات التي تقدمه إلى مصاف كبرى المؤسسات التعليمية، الأمر الذي دفع بمجموع الطلبة للالتحاق به إدراكاً منهم بجدواه وأهميته وقدرته على توفير فرص العمل والحياة الكريمة لمن سلكوا طريقة.
      تعاني سياسات التعليم التقني في كثير من الدول العربية من تأثير أفكار اجتماعية وموروث ثقافي يشدها للخلف، ويعاني كذلك من دفع مجتمعي باتجاه التعليم الأكاديمي، فنسبة الملتحقين بالتعليم الجامعي الأكاديمي إلى أولئك الملتحقين بالتعليم التقني تبلغ ضعفين إلى ثلاثة أضعاف في تلك الدول التي لا يوجد بها فرز للطلبة خلال المدرسة لأولئك الذين يسيرون في كل اتجاه، بمعنى أنه لو ترك الطلبة ليصلوا إلى امتحانات شهادات الثانوية العامة دون فرز، فإن الغالبية العظمى ستذهب للتعليم الجامعي إن أمكنها ذلك.
      ويعاني التعليم التقني من افتقار كثير من الدول العربية إلى تشريعات أو كودات تجبر الفنيين على أن يكونوا قد حصلوا على تدريب مقنن مبرمج ينتهي بشهادة أو "رخصة" تحدد أهلية الشخص للقيام بالعمل الموكول إليه. لذلك دخل إلى سوق العمل أشخاص غير مؤهلين قاموا بأعمالهم دون مرجعية مهنية تدريبية فكان نتاجهم على سوية متدنية.
      إن الظروف والأنظمة المالية منحازة تماماً للشهادات الجامعية وتعطي حامليها حوافز مالية لذلك وفيما عدا أولئك التقنيون من حاملي هذه الشهادات فإن التقنيين المتخرجين من المعاهد والكليات التقنية المتوسطة يعانون من تدني الرواتب والحوافز المالية مما يشكل قوة طاردة.
      تستمد قضية المواءمة بين مخرجات النظام التعليمي ومتطلبات سوق العمل أهميتها من حقيقة أنَ البطالة هي أخطر ما يُواجِه الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. ولعلّ السؤال المحوري المطروح في هذا السياق هو:
      ما جدوى الإنفاق على النظام التعليمي إن لم يكن قادراً على إخراج المنتج التعليمي بالمواصفات التي تحتاجها القطاعات الإنتاجية؟! ثم إن قضيّة المواءمة والربط بين مخرجات النظام التعليمي ومتطلبات سوق العمل، أصبحت هماًّ عالمياً يواجه جميع الدول في العامل بما فيها الوطن العربي؛ لذلك فإنَّ ثُمّة حاجة ماسة لأن تقوم مؤسسات التعليم العالي بإعادة النّظر في الخُطط والبرامج الدراسيّة للجامعات، وربط التخصصات باحتياجات سوق العمل، واتخاذِ إجراءاتٍ إصلاحيّةٍ لرفعِ سوية التعليم التقنيّ التطبيقي خاصَّة، والاهتمام بالتخصصات الجديدة، وتكنولوجيا التعليم، ومتطلباتِ العصر ومستحقّاته، والعمل على تطوير المناهج، لتمكينِ الخريجين من التعامل مع الواقع والمستقبل ورسمِ المعالمِ للأجيال القادمة.
      ولذلك فنحن مدعوون للبحث في كل هذه القضايا واستنباط الحلول لها ووضعها في مسارها الصحيح خدمة لأهداف التنمية وتعظيم القيمة المضافة للكوادر البشرية.
      أجدد ترحيبي بالضيوف الأعزاء مرة أخرى وأتمنى لهم طيب الإقامة وأتمنى للمؤتمرين النجاح والتوفيق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


كلمة الوزير في جامعة البلقاء 14/9/2009

No comments:

Featured Post

PINK ROSE