كلمة وزير التعليم العالي في مؤتمر كليات المجتمع


بسم الله الرحمن الرحيم

أصحاب المعالي والسعادة والعطوفة
المؤتمرون الكرام

أحييكم أطيب تحية، وأشكر لكم كريم حضوركم، وأعرب لكم عن سعادتي البالغة لوجودي اليوم معكم وبينكم في رحاب هذه الكلية، كلية القدس، التي تحمل اسم مدينة القدس التي نبارك لها احتفال العالم العربي بها عاصمة للثقافة العربية.

أصحاب المعالي والسعادة والعطوفة
المؤتمرون الكرام

اسمحوا لي بدايةً أن أُشير إلى أننا نعيش في عصر يشهد تقدماً علمياً متلاحقاً محموماً، وفي عصر كهذا تتوالى فيه الاكتشافات العلمية، والتطورات الاقتصادية والسياسية، وتتقارب فيه المسافات، وعليه فإن قضية التنمية والتنمية المستدامة تصبح هي الركيزة الأساس في بقاء المجتمعات وتطورها وتقدمها لأخذ الأدوار اللائقة بها. والتنمية لايمكن أن تتم أو تتحقق دون وجود العنصر البشري المؤهل للقيام بذلك.


        تلعب مؤسسات التعليم العالي على درجاتها المختلفة الدور الأساس في تهيئة الكوادر البشرية القادرة على وضع خطط التنمية موضع التنفيذ، وبدون مؤسسات متفهمة لهذا الدور فإن التعليم والإنفاق عليه يصبحان من الأمور العبثية التي يجب تصحيح مسارها في دولة محدودة الموارد مثل الأردن.

لقد جرت محاولات مبكرة لتصويب الإختلالات في مسيرة التعليم العالي لكنها لم تتكلل بالنجاح المرجو لأسباب عدة أهمها التراجع المستمر في دور مؤسسات التعليم العالي نفسها  وغياب إرادة الإصلاح وتشخيص الخلل، وصاحب ذلك تراخي في تطبيق المرجعيات التربوية والتعليمية، الأمر الذي يتطلب منا جميعاً خلق أجواء جديدة تحسن مخرجات التعليم العالي وترتقي بمستواه وتعيده إلى مجده السابق.

لقد آن لنا أن نرتفع بمستوى الخريجين ونحفزهم للتفكير الإبداعي وندفعهم لمزيد من البحث والمعرفة. وآن لنا أيضا أن نتوقف عن التفكير بالمؤسسات التعليمية كمشاريع استثمارية مجردة والعودة بها إلى منارات علم ومعرفة ترفد وطننا العزيز الأردني والعربي كما عهدناها في السابق بخيرة الكفاءات العلمية وتزود أسواقه المختلفة بما يحتاجه من مهارات.

أيها الأخوة المؤتمرون

إن ازدياد وتعاظم سرعة وتيرة الاتجاهات الحديثة في العملية التعليمية التقنية والتطبيقية تفرض وجوداً جديداً كبديل للموروث التدريسي المعتاد، وهذا هو التحدي الحقيقي الأكبر. ومن هنا تأتي أهمية كليات المجتمع التي تتصدر تخريج أفواج من أبنائنا ممن يرفدون المجتمع بالكوادر الكفؤة والمدَّربة تدريباً عالياً في ميادين العمل المتنوعة من مهن طبية وهندسية ومالية وفندقية وغيرها من الميادين ضمن خطط مرنة قابلة للاستجابة لما يتطلبه سوق العمل المحلي وحتى الإقليمي، ولهذا لا بُدَّ من أن نسعى وندفع بهذا الاتجاه متوخين الكيفية والجودة وليس الكمية. وهنا لا بد من الاعتراف أن ما أشرتُ إليه يحتاج إلى تجهيزات ومختبرات وأبنية حديثة مناسبة ومناهج متقدمة، واستخدام أحدث أساليب التعليم المعاصر، كما يستدعي توفير هيئات تدريسية وفنية وإدارية ذات مهارات وخبرات وإبداعات علمية، ولكنه قبل هذا وذاك يحتاج لوقفة مراجعة للوضع القائم لهذا النوع من التعليم.

لقد أشارت معظم الإستراتيجيات والتقارير المحلية والدولية إلى تراجع مستوى التعليم التقني في وطننا، وقد نكون نحن من ساعد على ذلك بتغير الرؤى والمفاهيم، وبتغير مستويات الاهتمام بين مرحلة وأخرى. فنحن نتذكر البدايات ونتذكر كيف كان الأمر وكيف أصبح. نتذكر البوليتيكنيك ومدى الإضافة التي قدمتها لهذا النوع من التعليم ومدى جدية من خرجتهم. ونتذكر كذلك الاندفاع نحو إنشاء الكليات المتوسطة في الثمانينيات من القرن الماضي، ونتذكر بدايات الامتحان الشامل والتجسير وتبعية كليات المجتمع لجامعة البلقاء التطبيقية.

يحدد تقرير مشروع برنامج تطوير التعليم العالي من أجل الاقتصاد المعرفي وبدون شك أن نسب البطالة بين خريجي الكليات المتوسطة هو أقل من البطالة بين خريجي الجامعات، ويحدد كذلك أن نسبة الالتحاق بين النوعين هي 20% كليات متوسطة إلى 70% جامعات من خريجي التوجيهية، وهي نسبة مختلة ابتداء.

علينا أن نسأل عن سبب هذا الاختلال. هل هو الموروث الاجتماعي؟ أم هو قلة التقدير من المشغلين لهؤلاء الخريجين؟ أم هو تدني الأجور؟ أم هو الإحساس بين هؤلاء الطلبة أن كليات المجتمع كانت هي البديل الثاني لهم؟.

في دولة كالأردن تسير بخطى ثابتة في جميع مناحي التنمية الاقتصادية والاجتماعية منها، من الضروري أن نتبصر ما هي متطلبات هذه التنمية، وأن نخطط لها، وأن نجهز الأدوات اللازمة لتنفيذ هذه الخطط.

تحدد إستراتيجية التعليم العالي في الأردن 2007 – 2012 مبادئ تطوير منظومة التعليم العالي، وهذه الإستراتيجية وكذلك تقرير رؤساء الجامعات الذي رفع للمقام السامي، وتقرير مشروع تطوير التعليم العالي من أجل الإقتصاد المعرفي، تؤكد جميعها على ضرورة إعادة النظر في واقع التعليم الجامعي التقني المتوسط وتطويره ليصبح قادرا على موائمة متطلبات التنمية.
لقد أكدت كل هذه الإستراتيجيات والتقرير على ضرورة إيلاء التعليم التقني الأهمية اللازمة له، ورفعه لمستوى جديد وتوفير أعداد كبيرة من الطلية للالتحاق به ابتداء وليس كبديل ثان.

إن قيام جسم تنظيمي جديد يجمع كل هذه الكليات ذات الهم الواحد والهدف الواحد، هو الأساس لوضعها على المسار الصحيح. جسم ينظم هذه الكليات ويعيد الألق لها، جسم يعرف كيف يصحح مسارها ويرتفع بمستوى خريجيها، جسم يرتقي بمناهجها ويضع الخطط الحديثة والبرامج التدريبية المتطورة لإنتاج خريج قادر على رفد عملية التنمية، مدرك لأهمية مكانته بين المهنيين، مقدر من المجتمع على دوره الأساسي في عملية الرفاه الاقتصادي والاجتماعي.

لابد أن يكون هناك صعوبات في بادئ، لا بل قد يكون هناك بعض المشككين في التغيير، لأنهم أساسا لا يتفهمون جدواه، ولكن لا يساورني الشك في أن مصلحة الوطن وأبنائه تشكل هم الجميع على اختلاف أرائهم.

وهنا أرى أنه لا بُدَّ من التفكير جدياً في توجيه أبنائنا الناجحين في امتحان الثانوية العامة للالتحاق بكليات المجتمع وذلك بإعادة النظر بسياسة القبول في الجامعات لما نلمسه من أثر سلبي على الالتحاق بكليات المجتمع وعلى توفير حاجتنا من المهنيين والتطبيقيين وبذلك يتسنى لهذه الكليات أن تكون عامرة بأعداد كبيرة من طلبتنا وأن تقوم بتأهيلهم لمختلف المهن المطلوبة لسوق العمل الأردني والعربي.

وفي الختام أتمنى لمؤتمركم هذا التوفيق والنجاح، كما آمل تزويدي بنتائج هذا المؤتمر وتوصياته ليتسنى لنا مناقشتها للأخذ بالممكن منها. وفقنا الله وإياكم في  خدمة الأردن العزيز في ظل حضرة صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين حفظه الله ورعاه واعز ملكه.  

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مؤتمر كليات المجتمع واقع وطوح- كلية القدس- 18/5/2009

No comments:

Featured Post

PINK ROSE