العودة لدور المعلمين هي السبيل لوقف التدهور في التعليم العام


جاء في حولية "الثقافة العربية/ جامعة الدول العربية/ ساطع الحصري - 1949/1948"، أنه لم يكن في الأردن في العام الدراسي 1923/1922 من القرن الماضي، غير 44 مدرسة حكومية (أميرية)، 38 منها للذكور، و6 للإناث، فيها 69 معلما، و12 معلمة يعملون على تدريس 2998 طالبا و318 طالبة.
وقد ارتفعت هذه الأرقام لتبلغ 81 مدرسة في العام الدراسي 1948/1947، منها 11 للإناث، فيها 233 معلما ومعلمة، و12120 طالبا وطالبة. أما المدارس الخصوصية والأهلية، فكان عددها 111 مدرسة، منها 22 للبنات، و18 مختلطة، فيها 4273 طالبا، و2929 طالبة، يعلمهم 170 معلما و104 معلمات.
في العام 1923 كان لدينا 3 مدارس ثانوية، هي السلط وإربد والكرك، وكانت مدرسة السلط هي المدرسة الثانوية الوحيدة الكاملة. ولقد بلغ عدد المدارس الثانوية في المملكة العام 1947 (5) مدارس، عدد معلميها (25)، وطلابها (446)، وقد تقدم لفحص شهادة الدراسة الثانوية الأردنية، في شهر حزيران "يونيو" 1947 ما مجموعه 64 طالبا، نجح منهم 46. كان هناك في العام 1947 مدرسة للصناعة، فيها (8) معلمين، و(87) طالبا، في حين وجد في العام 1951 صف واحد لتأهيل المعلمين، في كلية الحسين، سمي بـ"صف المعلمين"، وكانت مدة الدراسة فيه عاما واحدا، ولم يخرج الا فوجين اثنين، وكان قد أنشىء سندا لنظام المعارف رقم (803) لسنة 1939.
تم افتتاح دار المعلمين في عمان العام 1952/53، وافتتحت في نفس السنة دار للمعلمات في رام الله، وافتتحت على التوالي دور للمعلمين في بيت حنينا وحوارة والعروب، في أعوام 1953، 1956 و1958. وأعتقد أن داري المعلمين في عمان وبيت حنينا، ودار المعلمات في رام الله، أنشئت سندا لقانون المعارف الفلسطيني للعام 1933، حيث أن قانون المعارف العام الأردني (والذي أنشئت بموجبه دور المعلمين الأخرى)، لم ينشر في الجريدة الرسمية، إلاّ في العام 1955.
كانت المادة السابعة من قانون المعارف العام، رقم (20) لعام 1955، قد نصت على أن دور المعلمين هي نوع من المدارس، وأناطت أمرها بوزارة المعارف.
كان للجامعة الاردنية، عندما افتتحت في بداية الستينيات، الدور الأكبر في توفير التعليم الجامعي لمئات الأردنيين، الذين كانوا يقصدون مشارق الارض ومغاربها طلبا للعلم.
لقد اعتقد القائمون على التعليم في الاْردن، في ذلك الحين، ان الحاجة لوجود دور المعلمين قد انتفت فأغلقوها، واعتقدوا ان الجامعة، ولاحقا الجامعات، ستأخذ الدور الذي قامت به على اكمل وجه، في تخريج أفواج من المعلمين والمعلمات الاكفياء. كم كانوا مخطئين في تفكيرهم هذا.
لقد اعتمد التعليم العام على التسارع، الذي كان قد اكتسبه على أيدي النخب التعليمية، التي تخرجت من دور المعلمين. وحين بدأ هؤلاء في التناقص الطبيعي، حل محلهم خريجو الجامعات، الذين لم يتخرجوا أساسا ليكونوا معلمين، بل متخصصين في فروع العلم المختلفة.
كان القائمون على التعليم يعتقدون، مخطئين، ان خريجي الجامعات بامكانهم القيام بعملية التدريس، بصورة كفؤة، إن تم تعريضهم لدورة مكثفة، في أمور وأساليب التدريس، قبل اقحامهم في الصفوف.
لقد أدى قيام هؤلاء بعملية التدريس بصورة تامة الى المأساة، التي نعيشها الآن، في التعليم العام. لقد ادرك القائمون على التعليم المشكلة، التي وقعوا فيها، فحاولوا تأهيل هؤلاء المعلمين بدبلومات تأهيل، أعطتها كليات تربية، تكاثرت كالفيروسات، واعطت انطباعا خاطئا، بأننا نسير في الطريق الصحيح. غير أن الدلائل والمؤشرات كانت تقول عكس ذلك، حتى عندما اجترحنا ما عرف بمعلم الصف ومعلم المجال، وعدنا عنها لاحقا، لا بل منعنا حامل الدبلوم من التعيين في وزارة التربية والتعليم، والذي كنا نعتقد أنه المنقذ.
لقد استبدل النظام التربوي معلمين اكفياء، خرجتهم دور المعلمين، لهدف واحد، وضمن نهج وخطة معروفتين، بمعلّمين لم يكن هدفهم عند الالتحاق بالجامعة، ان يصبحوا معلمين، ثم وعندما اكتشفنا عدم اهليتهم، حاولنا الإصلاح ففاقمنا المشكلة. لقد بدأ التدهور في التعليم العام منذ ذلك الحين، وما زال، ولن يتوقف الا بتغيير المسار.
عندما يتم اقتراح ان تقوم كليات التربية بدراسة مشاكل التعليم العام، او تدني نسب النجاح في الثانوية العامة، أقول ان لا فائدة من هذا، فكليات التربية جزء من المشكلة. وعندما يقترح مؤتمر للتطوير التربوي تأهيل المعلمين، فهذا يعني أننا لم ندرك لغاية الآن أن هذا لن يجدي.
لن يكون حل معضلة توفر المعلمين الأكفياء الا بالعودة لإنشاء دور المعلمين والمعلمات، التي لا هدف لها غير تخريج المعلمين. ومن نافلة القول ان هذه الدور يجب ان لا تتبع لأي جامعة، وإلا انتقلت أمراض الجامعات اليها. ولا نريدها تابعة لوزارة التربية والتعليم، فلا قدرة لها. نريدها كليات نقية، لا يشوبها ما علق بالجامعات من أمراض. ويكفينا اثنتان من هذه الدور، واحدة للمعلمين واُخرى للمعلمات.
من الضروري ان يتم تعديل نظام الخدمة المدنية، ليتم إعطاء هذا النوع من المعلمين، مردودا ماليا يفوق ما يتلقاه حامل البكالوريوس. ويجب ان تكون اولوية التعيين لهم. اما حامل البكالوريوس في الفيزياء، فليعمل في حقل الفيزياء في المؤسسات التي تتعاطى ذلك، وهذا ينطبق على بقية الحقول.
اما كليات التربية، والتي أقمنا الدنيا ولم نقعدها عندما انشأناها، فلنعترف بأنها فشلت في تحقيق أهدافها، ولنكن على قدر من الجرأة لإغلاق بعضها، والإبقاء على بعض أقسام التربية الخاصة، والإدارة المدرسية والقياس والتقويم فيها، وعلى مستوى الدراسات العليا فقط.
نريد قرارا مسؤولا، يعترف بالخطأ، ثم يعود عنه، ويعيد لنا دور المعلمين والمعلمات، فلا صلاح للعملية التعليمية الا بمعلّمين التحقوا راغبين بهذه المهنة، وقام على تأهيلهم من يؤمن برسالة المعلم ودار المعلم.

بمناسبة الحديث عن المكرمات، وعن ردود الأفعال، وعن الصواب وخلافه، وعن المسؤولية.



المدارس الأقل حظا....مرة أخرى
عندما أنشئت هذه المكرمة عام ١٩٩٥، كانت لها مبررات وكانت لها أهداف والأهم من هذا وذاك كان لها مدة زمنية مشروطة.
كان المبرر الأكبر أن هذه المدارس غابت عنها كل العوامل التي تجعلها مدارس تؤدي مهمة التعليم: فلا أبنية جيدة و كافية، بل صفوفا مجمعة في كثير من الأحيان، ولا هيئة تدريس كفؤة تعمل على تعليم جيد ينتج طلبة أكفياء.
كانت الأهداف تعويضهم عن " الحيف" الذي لحق بهم نتيجة السياسات التربوية المتردية وعن الإهمال.
وكانت المدة المشروطة هي خمس سنوات (٥) تعمل فيها وزارة التربية والتعليم على إعادة قولبة هذه المدارس بمن فيها لتجعل منها مدارس مماثلة ومعادلة ومساوية للمدارس الأخرى في المملكة.
وكان شرط التأهل للدخول في هذا "النادي" هو وفق المعايير، أن تكون المدرسة في منطقة نائية، أو أن تكون من مدارس خارج مراكز المحافظات من التي يقل عدد طلبة الثانوية العامة فيها عن ١٠، أو وبغض النظر عن عدد طلاب الثانوية العامة فيها، أن يقلّ فيها عدد الناجحين الحاصلين على معدل ٦٥٪ فأكثر عن ١٠. غير أن أهم معيار أستخدم كان هو شرط نسبة نجاح في المدرسة لاتزيد عن ٤٠٪ للتأهل.
مرت على التسمية الآن ٢٠ سنة (عشرون) ، فلا المدارس الأقل حظا كبر حظها وتحسن لتتخرج من النادي، ولا على أقل تقدير لوحظ تناقص كبير في المدارس المؤهلة لهذا النادي العتيد. بل على العكس من ذلك إنضمت للمدارس النائية أو تلك التي تقع خارج مراكز المحافظات، مدارس لا هي بالنائية لا بل تقع في داخل المركز.
وحدثت ممارسات غريبة، فتعمدت مدارس أو طلبة (لا أدري ايهما أصح )أن يفشلوا قصدا ليحققوا النسبة تحت ال ٤٠٪ فتتأهل المدرسة لهذا الشرف العظيم. كانوا يدركون أن دخولهم ضمن مجموعة المدارس الأقل حظا، سيعطيهم خيارات قبول أحسن. لقد حصلوا على مقاعد أحسن من تلك المقاعد التي حصل عليها طلبة مدرسة مجاورة نجح فيها أكثر من ٤٠٪ من الطلاب.
كانت المدراس الموصوفة بالأقل حظا مرتبطة بمناطق معينة، فإذا بمدارس البنات في نفس المنطقة ممتازة في حين أن مدارس الذكور سيئة وتأهلت للقب الأقل حظا، فكيف وهي بنفس المنطقة ونفس البيئة؟. أم إننا نغفل أن للمدرسة وللمعلم دورا في ذلك، فالمعلمات الإناث أكثر قدرة والطالبات الإناث أكثر جدية ومدارس الإناث أكثر إنضباطا؟
على كل حال، هي محاولة حل إجترحت قبل عشرين عاما لتعويض مناطق عن عدم كفاية مدارسها وتدني نسب النجاح بين طلبتها، فإذا نحن وبعد هذه العشرين سنة ما زلنا نراوح مكاننا.
للبحث عن المقصر يجب العودة للقرار الذي أنشىء عام ١٩٩٥، يكون هذا لمدة ٥ سنوات، تعمل فيها وزارة التربية على رفع سوية......الخ.

توصيات مؤتمر التطوير التربوي

توصيات مؤتمر التطوير التربوي

لا أريد أن أتحدث في توصيات المؤتمر أو أعلق عليها، غير أنني مضطر للتعليق على فقرة واحدة وردت فيه، محللا ومبينا، وفي نفس الوقت محذرا.

"وأوصى المؤتمر بعقد امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة (التوجيهي) مرة واحدة بدءًا من العام الدراسي 2016/ 2017، وإلزام الجامعات بتطبيق امتحان للقبول فيها حسب التخصصات المختلفة،" صحيفة الغد/ اليوم/ الصفحة الرئيسية، والصحف اليومية الآخرى.

لا أريد هنا أن أتحدث في مبررات عقد إمتحان الثانوية العامة مرة أو مرتين أو أكثر، فهو في نظري مرتبط بما هو الهدف من الإمتحان.
ولكني أود الحديث في توصية المؤتمر بإلزام الجامعات بعقد إمتحان للقبول وهي توصية صادرة من مؤتمر للتعليم العام في أمر يتعلق بالتعليم العالي، فبالتالي لا أعلم عن مدي علاقة الإثنين غير أن مخرجات واحد هي مدخلات الآخر.

إن كنا نريد إمتحانا للقبول الجامعي، فما هي الحاجة لإمتحان الثانوية العامة؟
وعليه يمكننا السؤال هل هناك داع لوجود شهادة عامة  للدراسة الثانوية؟ وما الداعي للسير في تطويرها؟

الجواب يعتمد على ماهي الضرورات التي تقتضي وجود مثل هذه الشهادة.
1) هل هي ضرورية لإثبات أن الطالب قد انهى مرحلة الدراسة بسنيها الأثنتي عشرة بنجاح؟
الجواب لا، لأن المدرسة التي يكمل الطالب فيها دراسته تعطيه شهادة معتمدة من وزارة التربية والتعليم تسمى شهادة اكمال الدراسة الثانوية.
2) هل هي ضرورية لبعض الوظائف التي تشترطها؟
الجواب نعم، ولكن المقصود ليس الشهادة بحد ذاتها وإنما الإثبات بإنهاء الدراسة بنجاح، أي أن الشهادة المذكورة في (1) أعلاه تكفي.
3) إذن ما تبقى من ضروريات وجود هذه الشهادة؟

الجواب هو انها تعتبر (لغاية الآن)  المعيار الوحيد لدخول الجامعة، أي انها إمتحان قبول للجامعات. فإن كنا نريد تطوير إمتحان قبول جامعي، فإنني أدعي أن لا حاجة إذن لإمتحان الثانوية العامة ولنرح رؤوسنا من كل هذا العناء.

إن الأمر المعياري الوحيد - على صعوبته - الذي أثبت موجوديته  على مدى أكثر من ٥٠ سنة، هو إمتحان الثانوية العامة، وهو إمتحان على الرغم من الشوائب المؤقتة التي علقت به بين الحين والحين، لم يتهمه أحد بعدم العدالة، والمعيارية. إتهم بالصعوبة والسهولة وبالغش و بالطول وبالحشو، وهي أمور نحن من أوقعنا أنفسنا فيها، فهو لم يكن كذلك في الستينيات من القرن الماضي وفي الأربعين سنة التي تلتها. والتخلص من هذه الأمور سهل إن أردنا. ألم نسيطر على عملية الغش بمجرد إعلان النية.

إمتحانات القبول الجامعية ليست بالأمر السهل، فهل ستكون منفصلة لكل جامعة ولكل تخصص ولكل حقل من حقول المعرفة؟ أم ستكون موحدة لكل الجامعات وبغض النظر عن التخصصات؟ أم موحده لكل الجامعات ولكن منفصلة لكل تخصص. فإن كانت منفصلة لكل جامعة ولكل تخصص وجب على كل قسم وضع إمتحان قبول خاص به. أما إن كان القبول في الجامعة وليس في التخصص وجب وضع إمتحان  خاص بكل جامعة، وحاولة إيجاد طريقة لتوزيع الطلبة على التخصصات بعد ذلك.

أما إن كان القبول الجامعي موحدا، فمن سيديره؟ هل ستقوم وزارة التعليم العالي بذلك، أم هيئة الإعتماد ومركز الإختبارات؟ أم ستقوم به الحهات التي ادارات إمتحانات الكفاءة وإمتحانات اللغة الإنجليزية؟؟ وعلى فرض قيام أي متن هذه الجهات بذلك، ألن نسمع عن اللذين ينادون بإستقلالية الجامعات؟

وعلى فرض أننا أجبنا على كل التساؤلات أعلاه، فما هو دور المحسوبية والواسطة في هذه الإمتحانات غير الموضوعية المدارة في كل قسم (كما تطلب التوصية) ، خاصة إن وجدنا من يقول بضرورة وجود مقابلة لتبيان مدى أهلية الطالب للدراسة.

إنني أقول أن عملية القبول الجامعي، بما أعطيناها من أهمية، يجب أن لا تشوبها شائبة، وهو الأمر الذي لا يمكن تحقيقه في الظروف الحالية في خارج إطار الثانوية العامة الحالية، وعن طريق مكتب القبول الموحد. 

غير أننا إن أردنا قبولا جامعيا تديره الجامعات أو من ينوب عنها فهذا يقتضي:
١) الغاء شهادة الدراسة الثانوية، التي ستصبح لا ضرورة لها كما أسلفنا أو
٢) تطوير شهادة الدراسة الثانوية لتصبح مماثلة لشهادة ال IG  البريطانية، أي بموضوعات متفرقة يختارها الطالب، وهذا يتبعه تقسيم القبول الجامعي لحقول مختلفة تنسجم مع المواد الكطروحة في الثانوية العامة الجديدة.
٣) البحث في كيفية أدارة القبول الجامعي بصورته الجديدة.

وفي كل الأحوال فإنني أدعو لعدم إدخال المقابلات الشخصية في أي عملية قبول جامعي مهما كانت،  لأننا إن كنا نشتكي من إشاعات أن فلانا قبل دون حق، فإننا عندئذ سنري كيف أستلبت حقوق الناس من خلال الإدعاد بنجاح هذا وعدم إجتياز الآخر للمقابلة، والتي ستظهر انحيازاتنا في أسوأ صورها.

إنني أدعو للتروي ولعدم الإندفاع، ولمزيد من الدرس من أناس ذوي رؤى مخالفة لمن بحث ودرس، و لنسأل الأهل وأولياء الأمور وليس "الخبراء" فقط. 

http://walidmaani.blogspot.com/2012/11/blog-post_6.html
http://walidmaani.blogspot.com/2011/09/blog-post_23.html
http://walidmaani.blogspot.com/2013/12/blog-post_11.html

بمناسبة الحديث عن المكرمات، وعن ردود الأفعال، وعن الصواب وخلافه، وعن المسؤولية

المدارس الأقل حظا....مرة أخرى
عندما أنشئت هذه المكرمة عام ١٩٩٥، كانت لها مبررات وكانت لها أهداف والأهم من هذا وذاك كان لها مدة زمنية مشروطة.
كان المبرر الأكبر أن هذه المدارس غابت عنها كل العوامل التي تجعلها مدارس تؤدي مهمة التعليم: فلا أبنية جيدة و كافية، بل صفوفا مجمعة في كثير من الأحيان، ولا هيئة تدريس كفؤة تعمل على تعليم جيد ينتج طلبة أكفياء.
كانت الأهداف تعويضهم عن " الحيف" الذي لحق بهم نتيجة السياسات التربوية المتردية وعن الإهمال.
وكانت المدة المشروطة هي خمس سنوات (٥) تعمل فيها وزارة التربية والتعليم على إعادة قولبة هذه المدارس بمن فيها لتجعل منها مدارس مماثلة ومعادلة ومساوية للمدارس الأخرى في المملكة.
وكان شرط التأهل للدخول في هذا "النادي" هو وفق المعايير، أن تكون المدرسة في منطقة نائية، أو أن تكون من مدارس خارج مراكز المحافظات من التي يقل عدد طلبة الثانوية العامة فيها عن ١٠، أو وبغض النظر عن عدد طلاب الثانوية العامة فيها، أن يقلّ فيها عدد الناجحين الحاصلين على معدل ٦٥٪ فأكثر عن ١٠. غير أن أهم معيار أستخدم كان هو شرط نسبة نجاح في المدرسة لاتزيد عن ٤٠٪ للتأهل.
مرت على التسمية الآن ٢٠ سنة (عشرون) ، فلا المدارس الأقل حظا كبر حظها وتحسن لتتخرج من النادي، ولا على أقل تقدير لوحظ تناقص كبير في المدارس المؤهلة لهذا النادي العتيد. بل على العكس من ذلك إنضمت للمدارس النائية أو تلك التي تقع خارج مراكز المحافظات، مدارس لا هي بالنائية لا بل تقع في داخل المركز.
وحدثت ممارسات غريبة، فتعمدت مدارس أو طلبة (لا أدري ايهما أصح )أن يفشلوا قصدا ليحققوا النسبة تحت ال ٤٠٪ فتتأهل المدرسة لهذا الشرف العظيم. كانوا يدركون أن دخولهم ضمن مجموعة المدارس الأقل حظا، سيعطيهم خيارات قبول أحسن. لقد حصلوا على مقاعد أحسن من تلك المقاعد التي حصل عليها طلبة مدرسة مجاورة نجح فيها أكثر من ٤٠٪ من الطلاب.
كانت المدراس الموصوفة بالأقل حظا مرتبطة بمناطق معينة، فإذا بمدارس البنات في نفس المنطقة ممتازة في حين أن مدارس الذكور سيئة وتأهلت للقب الأقل حظا، فكيف وهي بنفس المنطقة ونفس البيئة؟. أم إننا نغفل أن للمدرسة وللمعلم دورا في ذلك، فالمعلمات الإناث أكثر قدرة والطالبات الإناث أكثر جدية ومدارس الإناث أكثر إنضباطا؟
على كل حال، هي محاولة حل إجترحت قبل عشرين عاما لتعويض مناطق عن عدم كفاية مدارسها وتدني نسب النجاح بين طلبتها، فإذا نحن وبعد هذه العشرين سنة ما زلنا نراوح مكاننا.
للبحث عن المقصر يجب العودة للقرار الذي أنشىء عام ١٩٩٥، يكون هذا لمدة ٥ سنوات، تعمل فيها وزارة التربية على رفع سوية......الخ.

المدارس الأقل حظا

في قصة يوسف السباعي "أرض النفاق" صدزت عام ١٩٤٩ يتحدث الكاتب عن دكان يبيع حبوبا للأخلاق....فمنها حبوب للإخلاص وحبوب لكذا وأخرى لكذا ولكن الحبوب التي كانت تنفذ بسرعة هي حبوب النفاق.
لا أدري هل لو كان الدكان موجودا الآن لاشترت بعض مديريات التربية والتعليم حبوب الحظ...لعل وعسى.
المدارس الأقل حظا...تعبير أطلق على مدارس لم يحقق طلبتها نتائج جيدة في أمتحان الثانوية العامة. ثم ظهرت مجموعة من التعابير أشهرها " المدارس التي لم ينجح أحد من طلبتها".وتحدثت الصحافة عنها كأننا نسمع بها لأول مرة.
هل هو حظ؟ أم قدر؟ أم "بخت" أم تقصير؟؟؟
هل هي كما قال عبد العزيز الدريني: "مشيناها خطى كتبت علينا .. ومن كتبت عليه خطى مشاها"، أوكما قال حكيم هندي: "هنالك أدوية للمرض، لكن لا أدوية للقدر"
أو كما قالت أم مصرية:"قليل البخت يلاقي العظم في الكرشة"؟
أم في حقيقة الأمر أن هذه المدارس منسية، وغير مرئية وأنه لم تجر محاولة جدية واحدة لوضع الأمر في نصابه؟
لماذا نبدو و كأننا متفاجئين من وجود المدارس "التي لم يحالف الحظ" أحدا من أبنائها؟ متفاجئين من ٨٩ مدرسة لم ينجح بها أحد؟ في العام الماضي كان العدد ٤٢٣ مدرسة وأرقام مشابهة في سنوات سابقة. وفي أحد الأعوام رفضت الوزارة الإفصاح عن عدد المدارس، لإضراره بهيبة الوزارة!!!
ففي عام ٢٠١٤ ورد النص التالي في أحد المواقع الإلكترونية : "تعمل وزارة التربية والتعليم على اجراء دراسة واسعة لنتائج التوجيهي الاخيرة خلال الدورة الصيفية الاخيرة لعام 2014 والمدارس التي لم ينجح منها احد وفق امين عام الوزارة الدكتور محمد العكور.
وقال في تصريح ان الوزارة شكلت لجانا في كافة المدارس والمديريات التي ظهر فيها ضعف في نتائج طلبتها حيث ما زالت الوزارة بانتظار التغذية الراجعة لهذه الدراسة.
واضاف العكور ان وزير التربية الدكتور محمد الذنيبات اجتمع بمدراء التربية لدراسة اسباب هذا التراجع وستعلن الوزارة عن هذه النتائج في حال اكتمالها.
هل أكملت اللجان والوزارة أعمالها ؟ وأين النتائج التي يجب أن تحدد المشاكل وتقدم الحلول؟ ولماذا لم تعلن هذه النتائج إن وجدت؟ أخشى من عدم اكتمال اللجان لمهامها وأننا مازلنا في مكاننا لم نبارحه.
يتفق الجميع أن عوامل كثيرة ساهمت وتساهم في هذه المشكلة...منها ما له علاقة بوزارة التربية والتعليم ومنها ما له علاقة بالطلبة وأسباب لها علاقة بالأهالي.
فالأهالي اللذين لا يريدون تجميع الصفوف في مدرسة كبيرة تحظى بالأساتذة والمختبرات، ويفضلون مدارس بقرب بيوتهم في الصف الواحد عدد من الطلبة لا يفوق عدد أصابع اليدين، عليهم ان لا يلوموا الا أنفسهم. لقد عرضنا في وزارة التربية حافلات تأخذ الطلبة من بيوتهم وتوصلهم للمدرسة الكبيرة المجمعة فرفض الأهالي.
والطلبة اللذين يغيبورن عن الفصل الثاني في الصف الثاني عشر ليعملوا في جمع المنتجات الزراعية من الحقول مع ذويهم أو بالأجر لابد أن يفشلوا في الإمتحان. الطلبة اللذين لا يملكون ثمن الكتب الخاصة بالثانوية العامة (24) دينار، لايجدون ما يدرسون منه وسيفشلوا.
المدارس التي لا تجد معلما، أو معلما بديلا، أو معلما ملحقا، كيف لطلابها النجاح؟. المدارس التي لا توجد بها مختبرات، وإن وجدت فمغلق عليها، كيف لطلابها النجاح؟ المدارس التي ترتفع الحرارة في صفوفها لدرجة لا تطاق وتفتح شبابيكها عديمة المناخل للتهويه فتدخلها أسراب الذباب، كيف لطلبتها النجاح؟
معظم المشاريع التي طرحتها الوزارة ومن ضمنها المدارس الضخمة لم تعط أكلها. والمدارس التي يتم التركيز على تطويرها تتكرر في كل برنامج من قبل كل منظمة دولية. كأن هناك مدارس محظية وأخرى غير ذلك. والمنظمات المشاركة في التطوير تقدم برامج متشابهة، كم كنت أتمنى أن يكون للوزارة دور في تجميعها وتوجيهها، بدل تبعثرها بحيث تصبح عديمة الجدوى.
لماذا يتركز الرسوب وعدم النجاح في مدارس الذكور ولا نجده في مدارس الإناث؟ وهل لهذا علاقة بتوفر العمل للراسبين في الثانوية برواتب مجزية، بحيث تجعل النجاح" أمرا غير مرغوب فيه"؟.
إن التراجع الذي تشهده المدارس عموما و مدارس في مناطق بعينها لن تصلحه خطط طوارىء، ولا مؤتمرات لن ترى توصياتها الضؤ، وإنما يتم عن طريق:
(أولا) التقييم الحقيقي للطالب في كل صف.
(الثاني) التقييم الصادق للعملية التعليمية والإدارية، وتطويرها، ومحاسبة المعلمين والإداريين في المدرسة المعنية وقبلهم المشرفون التربويون. محاسبتهم على أدائهم كائنا من كانوا، بحيث يتحملوا نتائج أعمالهم.
و(الثالث) فيتم عن طريق تغيير المناهج وتبسيطها وإزالة اللغو والحشو منها.
أما (الرابع) فيكون بتجميع المدارس ذات الصفوف الصغيرة والإمكانات المتواضعة في المدارس المجمعة الشاملة (التي تعمل بأقل من نصف طاقتها)، وإقناع الأهالي بذلك وتقديم الحوافز لهم وللطلبة، وعدم ترك القرار في ذلك لهم.
أما الأمر (الخامس) والأخير فيكون بإجراء التعديل اللازم على النظام الذي يمنع توزيع الكتب مجانا على الصفين الحادي عشر والثاني عشر، وإعتبار ذلك أولوية وطنية (الكلفة المالية مليون ونصف مليون دينار).
يجب العودة للنشاطات التي تحبب الطالب في مدرسته، فما هو المعيب في الرياضة والفن والموسيقى؟ وما المعيب في الرحلات المدرسية العلمية والثقافية؟ لماذا نساعد على حالة الإغتراب بين الطالب ومجتمعه؟
يكون العلاج عادة من مراحل. ويسمى في بعض اقطار شمال إفريقيا بالتدبير، أول العلاج الإدراك بوجود مشكلة والإعتراف بها، والإعلان عنها وليس كنسها تحت السجاد. ثم يأتي من يشخص العلة ويبين مواطن الخلل. ويليه من يقدم العلاج الناجع، الذي يجب أن نتذوقه حتى لو كان مرا.
وعودة لقصة أرض النفاق ليوسف السباعي، ففيها يقول:
نحن شعب يحب الموتى، ولا يرى مزايا الأحياء حتى يستقروا في باطن الأرض.
والله من وراء القصد

Featured Post

PINK ROSE